الخميس، ١٨ أكتوبر ٢٠٠٧

اذكى نظام حكم على وجه الارض



دأب المصريين خلال ربع قرن مضى على محاولة الوصول لشكل معين لنظام الحكم الذى يسيطر على مقدرات حياتهم ويتحكم فى صغائر امورهم ودقائق مصائرهم, ودأب النظام المصرى الحاكم اكثر فى اخفاء معالمه وطمس ملامحه مستخدما طرق ووسائل ادت لاعتباره من اذكى نظم الحكم الشمولية الديكتاتورية على وجه الارض, وعن طريق تلك الوسائل سيطر نظام الحكم على المصريين واعطى صورة مشرقة لنفسه فى المجتمع الدولى وكمم افواه المسئولين وذوى الخبرة واعطى ظهره لكل شريف ونظيف وقادر على العطاء لبلده مفسحا الطريق للفشلة ومعدومى الكفاءة والمزورين والبلطجية واعتبارهم من خلال وسائل اعلامه الافضل والاكفأ والاقدر على القيادة والمسئولية.

وعلى مدى 26 سنة برع نظام الحكم فى استخدام وسائل وطرق شتى مكنته السيطرة على الشارع المصرى بامتياز, وصدّرت صورة ديموقراطية زائفة لاوروبا والولايات المتحدة الامريكية عن طريق واجهات تشبه واجهات الديكور السينمائية الكرتونية, وسنستعرض فيما يلى بعض تلك الديكورات والوسائل والطرق التى اُعتبر بفضلها نظام ذكى بارع فى فنون المراوغة والخداع والتزييف ...

1 – سياسة العصا والجزرة :

كيف تحيّد مسئول تحتاج سكوتة وفى نفس الوقت تتقى شرة حتى بعد خروجة من منصبة ؟

سياسة العصا والجزرة السياسة الامثل والانجع فى والتى ثبت نجاحها الساحق فى الاغراء بذهب المعز او التلويح بسيفه, وتنطبق تلك السياسة على رجال الحكم والحكومة من ناحية وعلى الادباء والمثقفين والعلماء والفنانين من ناحية اخرى, فكم رأينا من قيادات حكومية تدافع عن الباطل بالباطل, وتجمّل وجه النظام باسوأ المساحيق واردأها مفعولا, انها نفس السياسة التى نرى اّثارها على مسئول سكت دهرا ونطق كفرا, عندما قال"ينبغى ان يترك قدامى قيادات الحزب الوطنى اماكنهم لتجديد دماء الحزب." مع العلم ان قائل تلك العبارة هو السيد صفوت الشريف, ولا داعى للتعليق, وقيل ويقال وسيظل يقال لحين, ان كل مسئول فى الحكومة او الحزب لديه من السيئات والفساد ما يكفى لفضحه وتجريسه وتشويهه اذا ما فكر مجرد تفكير فى الخروج عن سياسات الجهة التى يتبعها, اما عن المثقفين المعاصرين, فيتفاخر وزير الثقافة ( فاروق حسنى ) بكونه نجح فى ضمهم لحظيرته الثقافية دون معارض يجرؤ على توجيه قلمه الادبى فى وجه وزارته, ولطالما سيطر وزير الاعلام السابق صفوت الشريف على الفنانين بشكل شبه مطلق لا خروج فيه عن النص, والوسيلة معروفة, لدينا العصا ولدينا الجزرة, فايهما تختار عزيزى ؟

2 – ديكور ديموقراطى متقن :

تخيل دولة بها برلمان قوى, واحزاب تعدت العشرون حزبا, ومجلس حقوق انسان, وصحافة حرة, وانتخابات رئاسية متعددة, وانتخابات مجلس شعب وشورى ومحليات نزيهة, دولة بها كل تلك المقومات الديموقراطية وتوصف فى النهاية بالديكتاتورية ؟ مستحيل ! ديكور ديموقراطى غاية فى الاتقان, يستحق التحية, برلمان قوى بسيطرة الحزب الوطنى عليه سيطرة كاملة ( ليس شبه كامله حتى ), احزاب لا تقوى على رفع صوتها فوق صوت امين شرطة فى مباحث امن الدولة, مجلس حقوق انسان يتغاضى عن التعذيب وبلطجة وزارة الداخلية ويهتم فقط بالبدلات والمكافاّت والتلميع الاعلامى, صحافة حرة على شرط, الا تقترب من الرئيس, وعائلته, وحزبه, ورجال حزبه, واصدقاء رجال حزبه, والرئيس الامريكى !, انتخابات رئاسية متعددة, بالطبع متعددة, لك الحق فى الاختيار بين الرئيس, او الرئيس, او الرئيس, او بابن الرئيس بعد عمر طويل, اما عن انتخابات مجلس الشعب والشورى والمحليات فحدث ولا حرج, ضحايا وبلطجية وارهاب ومنع انتخاب واضطهاد ورشاوى بالجملة, والاهم, لا لتدخل القوى الاجنبية ممثلة فى الرقابة الدولية على الانتخابات لان ذلك يعد تدخلا فى الشئون الداخلية المصرية, عكس تدخل الولايات المتحدة فى رسم السياسة الخارجية المصرية’ لان ذلك يعد تعاونا مع دولة صديقة لا اكثر, انها الخدعة الاكبر التى يمارسها باحتراف النظام المصرى العبقرى, صورة وردية للخارج, واسود من فحم الكوك فى الداخل ...

3 - استخدام الدين فى السياسة :

الخدعة الاقدم فى التاريخ, ان تحكم باسم الخالق عز وجل, ان تستخدم الكتب المقدسة فى تبرير افعالك الدنيئة التى يتبرأ منها اى دين, ان تخدّر الشعب كلما سنحت فرصة من بعيد لان ينشغل بالسياسة ويطالب بحقوقه المهضومة بامور دينية ما انزل الله بها من سلطان, ان تستدعى الشيوخ الاجلاء المسئولين عن الحياة الدينية فى مصر ليفتوا مثلا ب ( كاتم الشهادة اّثم قلبه ) او( طاعة الحاكم واجبة طالما شهد ان لا اله الا الله ), ولا يجروؤن باى حال من الاحوال على الافتاء بان تعذيب الانسان لاخيه اثم, او ان تزوير الشهادة حرام, او ان ظلم الحاكم مفسدة للدولة, او ان الرشوة والواسطة والفساد المالى والادارى اّفة تفسد القلوب والعقول وفعلها يدخل تحت اطار الجريمة, والانكى والاكثر مدعاة للسخرية ان تعلن الدولة للمجتمع الدولى انها دولة علمانية لا تخلط الدين بالسياسة وفى نفس الوقت تزايد على التيار الاسلامى فى تطرفهم واستخدامهم للفتاوى لصالحهم حتى فى قضية مثل الحجاب, عندما ثار اعضاء الحزب الوطنى على وزير الثقافة بسبب تصريحاته بشأن الحجاب بصورة اكبر واقوى واعلى صوتا من نواب الاخوان المعروف موقفهم مسبقا من تلك القضية, تظهر الحكومة دوما ممسكة فى احدى يديها بالمسبحة المطعمة بفضائل الدين وحكمته, فيما تمسك فى اليد الاخرى بمفاتيح خزائن الدولة الجاهزة دوما للسلب والنهب والهرب للخارج فور اتمام العملية.

4 – قضاء مستقل صوريا :

يتشدق اعلام النظام المصرى دوما بقضاءه المستقل عن السلطة التنفيذية بكل فخر واعتزاز, يطالب رجال القضاء انفسهم باستقلاله وبيان تبعيته للسلطة التنفيذية بالقوانين والافعال, فيرد النظام المصرى بكل عنجهية (القضاء المصرى قضاء مستقل تماما), يسجن ايمن نور بحكم سياسى, يسجن خمس روؤساء تحرير بحكم سياسى, يتحكم وزير العدل فى القضاة وناديهم, يهين رئيس مجلس الدولة بتشبيه رهافة روح الرجل عندما بكى تأثرا بزميله الذى رفض الوزير علاجه بانه يبكى مثل الفنانة الراحلة امينة رزق, يستمر اعارة رجال القضاء للعمل كمستشارين, يستمر الحصار المالى على ناديهم الموقر, ومع ذلك, القضاء المصرى مستقل, تلك التصريحات التى تبرز مدى استلالية القضاء هى نفسها التى تستفز القضاة اكثر ليعلنوا ان القضاء غير مستقل ويطالبوا باستقلاله, ويستمر النزال والسجال بين القضاء ووزارة العدل والنظام, وتستمر الصورة الوردية عن استقلال القضاء المصرى تصدّر للخارج, ودوما الخاسر الشعب المصرى المهضوم حقه.

5 – وسيلة الفقر والجهل تبررغاية البقاء :

نظرية المؤامرة الازلية تقول ان النظام يتعمد افقار وتجهيل الشعب حتى يظل مسيطرا عليه اطول فترة ممكنه, ويستشهد اصحاب تلك النظرية باصرار النظام على تثبيت نسبة الامية 52%, وزيادة معدل ارتفاع الاسعار عن الاجور, وتدهور التعليم لدرجة ان كثير من الطلاب الجامعيون لا يستطيعون كتابة جملة واحدة دون اخطاء "املائية" مخجلة, وتفشى فكرة كره العلم والثقافة والمساعدة على تحقيرهم بابرازهم بمظهر المجانين او المهاويس فى الاعلام الحكومى حتى ينفر منهم الشعب ويستمر على جهله معتقدا ان الجهل نعمه, تلك الاسباب لم تاتى من فراغ, هى نتاج عقود من التجهيل واحتقار العلم وازدراء المعرفة والسخرية من الثقافة والمثقفين والاعلاء من الفكر الدينى الخرافى الغيبى الذى لا يصلح اطلاقا لعصرنا الحالى الذى يفرض علينا مجاراته بالعلم والبحث العلمى الصارم وليس بكتب القدماء وفتاوى شرب بول الابل وارضاع الكبير, والاسوا ان الدولة قضت تماما على اى تواجد سياسى او ثقافى داخل المؤسسات التعليمية, وهو ما ادى لتغييب عقول الطلبة تماما وتوجههم لكل ما يشغل وقتهم دون معرفه حقيقية, اما الطامة الكبرى, فتتمثل فى تحويل التعليم من تجريب واستنباط واستنتاج وفحص ومشاهدة الى حفظ وصم وقىء معلومات وغش متفشى ورشاوى مقننة ودروس خصوصية تبتلع مليارات سنويا وبابطرة مليارديرات يعرفون من اين تؤكل كتف الامتحانات ومن اين تؤكل جيوب اولياء الامور, تلك الآفة التى انتشرت وبضراوة فى المؤسسة التعليمية قضت تماما على البحث العلمى وانهت قدرة الطالب على التخيل واعمال العقل واعلت من شأن الاستسهال وجمود الفكر والتدنى بالوعى لدرجة الانحطاط, وهو المطلوب كما يرى اصحاب نظرية المؤامرة, فكلما توقف الخيل وتدنى الوعى, كلما زادت السيطرة وغابت المطالبة بالحقوق وانتشر الخنوع وتفشى النفاق, والاسوأ انه باهمال التعليم وتعمد تجاهل المتفوقين, بل وعقابهم على تفوقهم كما حدث مع عبد الحميد شتا, الشاب المتفوق الحاصل على المركز الاول على خريجى دفعته من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذى انتحر لان وزارة الخارجية رفضت تعيينه نظرا لسوء حالته الاجتماعية, وهو ما يعود بنا لنقطة الفقر مره اخرى, فالاهالى يعتقدون انهم اذا ساعدوا ابنائهم على التفوق فان هذا سيؤدى بالضرورة لتفوقهم العملى, لكن الذى يحدث العكس تماما, فيضيع امل الاسرة, وينضم الشاب لطابور العاطلين مع زملائه الغير متفوقين وانصاف المتعلمين, وتزداد الاسرة فقرا, ويزداد الاحباط والياس والمعاناة, فتنشغل الاسر بمصائبها ويتركون اصل المصائب بلا حساب ولا عقاب, اذا كان معك صندوق به كتاكيت واردت اطلاقها, فلن تتمكن من تجميعها مرة اخرى, اما اذا رججت الصندوق جيدا ثم اطلقتها, ستجدهم دائخين مترنحين ويسهل السيطرة عليهم, نصيحة قدمها الاب للابن.

6 – تقديس رموز الحزب الحاكم :

لم تستخدم دولة حديثة مفهوم خلط النظام بالدولة كما استخدمته مصر, هنا الدولة الوحيدة التى اذا اسأت فيها لشخصية حزبية او حكومية ايا كانت تُتهم انك تسىء لسمعة مصر, دولة تختصر تاريخها وعراقتها في شخصيات يتضح بعد حين فسادها وديكتاتوريتها وسواد تاريخها, فإذا رفعت دعوى على وزير ما بأنه السبب في سرطنة إنتاجنا الزراعي يتم إتهامك بالطعن في شرف مصر ويُمنح هذا الوزير وسام من رئيس الجمهورية تقديراً لجهوده وعناداً في ضحاياه ومن كشفوا جرائمه, وإذا أوضحت التقارير والمستندات فساد وزير إسكان سابق بوضوح وبلا مواربة, يتم تكريمه بل وحبس الصحفيين الذين عانوا الامرين في سبيل كشف فساده والحفاظ على أموال الدولة وممتلكات الشعب, وهي رسالة أدت مفعولها على أكمل وجه, وصار نقد الوزراء و(رموز الحكم) كالخوض في في حديقة أشواك غير مأمون عواقب إقتحامها.

7 – الشعارات الزائفة هي الحل :

كم مرة سمعنا العبارة الخالدة (أزهى عصور الديموقراطية) من خالد الذكر (مع الإعتذار للزعيم عبد الناصر) صفوت الشريف ؟ متى آخر مرة صدمت طبلة أذنك عبارة (لم يقصف في عهده قلم ولم تغلق في حكمه جريدة) ؟ كيف وجدت طريقة للهرب من العبارة المبتذلة (إهتمامنا الأول والأخير بمحدودي الدخل) ؟ هل بحثت يوماً عن (التنمية والرخاء والرفاهية قادمون بعد الطفرة الإقتصادية الهائلة في الفترة الأخيرة) ووجدتهم ؟ إنها حبوب المسكنات التي بدونها يغلي البسطاء ويثورون لو لم تطمئنهم بها الدولة من وقت لآخر, ورغم أن المواطن المصري البسيط يعلم تمام العلم أن من يقولها نفسه لا يصدقها, فهو يطمئن نفسه في النهاية أن الحكومة (بالتأكيد) تعرف أفضل منه ويهمها في النهاية مصلحته وهم أعلم بشئون حكمهم, تلك الشعارات بالتحديد تعد علامة بارزة في نظام الحكم المباركي, يستعملها الحاشية وأعمدة النظام من وقت لآخر رداً على من يحاولون تصحيح الأوضاع وفضح الممارسات الديكتاتورية, وهم يستخدمونها على طريقة رداء السلطان الذي لا يراه أحد, وعندما يبرز الطفل الصغير الذي يقول بكل شجاعة أن السلطان عاري تماما, يُتهم بأنه أعمى العين والقلب ولا يرى بهاء وعظمة الزى السلطاني الفريد.

ليست هناك تعليقات: