الخميس، ١٨ أكتوبر ٢٠٠٧

حزب الإخوان–كيف تتوازن سلطات الدولة المختلفة مع لجنة ظل الله على الارض ؟


كثيرون هم من إعتقدوا أن الأخوان تطوروا فكرياً وتقدموا تنظيمياً وتهيئوا للحياة المدنية الديموقراطية بكل ما تعنيها من معانٍ سامية وبكل ما تحملها من مسئوليات وطنية وتقبل للآخر وإلغاء كامل للدوجما السياسية, ولكن هيهات, فقد أظهر البرنامج الحزبي للأخوان نوع جديد من الديموقراطية لم نشهده من قبل, ديموقراطية تعتمد بشكل شبه كامل على مجلس فقهاء ديني منتخب بعناية من قبل الهيئة الدينية نفسها ! له الحق في مراجعة السلطة التشريعية في كافة القوانين التي تناقشها لتحديد ما إذا كانت ملائمة للشريعة الإسلامية أم لا ؟ بل وله الحق أيضاً في مراجعة القرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية والتي تكون لها قوة القانون في حال تعطل السلطة التشريعية, ولا يكتفي الإخوان المسلمون بتلك الديموقراطية الدينية الجديدة, بل ويضعون علماء التخصصات الدنيوية (هكذا أسموهم) في مكانة مستشارين ليس أكثر للهيئة الدينية الحاكمة, وهو بتلك الملحوظة يضع كل أدوات العلم بعد الرأي الديني الذي يأخذ المكانة الأعلى فى الحكومة الأخوانية الديموقراطية المدنية !

"تطبق مرجعية الشريعة الإسلا مية بالرؤية التي تتوافق عليها الأمة من خلال الأغلبية
البرلمانية في السلطة التشريعية المنتخبة انتخابًا حرًا بنزاهة وشفافية حقيقية دون تدليس ولا
تزوير ولا إكراه بالتدخل الأمني المباشر أو المستتر ، والتي تتم تحت رقابة المؤسسات المدنية
داخلية وخارجية وبعيدًا عن هيمنة السلطة التنفيذية . ويجب على السلطة التشريعية أن تطلب
رأي هيئة من كبار علماء الدين في الأمة على أن تكون منتخبة أيضًا انتخابًا حرًا ومباشرًا من
علماء الدين ومستقلة استقلالا تامًا وحقيقيًا عن السلطة التنفيذية في كل شئونها الفنية والمالية
والإدارية، وي عاونها لجان ومستشارين من ذوي الخبرة وأهل العلم الأكفاء في سائر
التخصصات العلمية الدنيوية الموثوق بحيدتهم وأمانتهم، ويسري ذلك على رئيس الجمهورية
عند إصداره قرارات بقوة القانون في غيبة السلطة التشريعية ورأي هذه الهيئة يمثل الرأي
الراجح المتفق مع المسلحة ال عامة في الظروف المحبطة بالموضوع، ويكون للسلطة التشريعية في غير الأحكام الشرعية القطعية المستندة إلى نصوص قطعية الثبوت والدلالة القرار النهائي بالتصويت بالأغلبية المطلقة على رأي الهيئة، ولها أن تراجع الهيئة الدينية بإبداء وجهة نظرها فيما تراه أقرب إلى تحقيق المصلحة العامة، قبل قرارها النهائي ويتم، بقانون، تحديد مواصفات علماء الدين الذين يحق لهم انتخاب هيئة كبار العلماء والشروط التي يجب أن تتوافر في أعضاء الهيئة) ص 10) ."

لم يكتفي الإخوان بهيئة دينية عليا حاكمة, وإنما اكملوا فصول الدولة الدينية الصِرفة بجعل المصدر الرئيسي للتشريع هو الشريعة الإسلامية, وهو ما يعطي الهيئة الدينية الحاكمة الحق في تغيير أي مادة يرون أنها لا تتفق مع الشريعة الإسلامية بحكم كونها مخالفة صريحة للدستور, وهو ما يعود بنا للنقطة تحت الصفر, وقد تتغير الحياة القانونية ومن ثمَ السياسية واجتماعية تماماً بناءاً على إستخدام علماء الهيئة ذلك الحق بلا رقيب ولا حسيب !

"إن النص في المادة الثانية من الدستور على أن دين الدولة الإسلام وأن الشريعة الإسلامية
هي المصدر الأساسي للتشريع ، لا يعني سوى التأكيد على مرجعية الشريعة الإسلامية إما
نصًا أو دلالة أو اجتهادًا وأن المخاطب بها هو السلطة التشريعية ورئيس الدولة في كل ما
يصدر عنه من قوانين أو قرارات أو سياسات داخلية وخارجية بحكم شمول وتكامل وأحكام
الشريعة الإسلامية وأن مقصدها العام الأساسي هو تحقيق المصالح المثلى للعباد في المعاش
والمعاد. ولكل ذي مصلحة – أيًا ما كانت – الطعن أمام المحكمة الدستورية على أي من هذه
القوانين والقرارات والسياسات بمخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية المتفق عليها من جمهور
الفقهاء المعاصرين المعتد بآرائهم (ص 10)."

تنتبه الجماعة لمأزق وجود الهيئة الدينية الحاكمة وسلطتها الانهائية, فتقوم بتجميل بعض جوانب البرنامج من عينة :

لحوار هو السبيل لتحقيق الوفاق الوطنى والثقة بين أبناء الوطن، وتحقيق التوافق أو
الإجماع ركيزة أساسية للشرعية الدستورية للنظام السياسي (ص11(."

وهي محاولة ميئوس منها لدعم الديكور الديموقراطي الذي تحاول الجماعة الظهور به أمام الرأي العام المصري, فكيف يكون الحوار هو السبيل في حين أن من يحاورني يدّعي أنه يملك الحقيقة المطلقة ويتمسك بنصوص لا مجال للجدل ولا النقاش بشأنها ؟ إنها الصفة الملازمة للدولة الدينية العتيدة, انهيار الحوار وسيادة المطلق وإستبداد الحكم, هل يستطيع أن يقوم حزب يعارض الإرادة الآلهية التي يمثلها حزب الاخوان ؟ من يستطيع أن يعدّل في الشريعة الإسلامية أو يلغي المادة الثانية تماماً ؟ أين الرأي المخالف لرأي من يمثل الكلمة الآلهية ؟ ماذا لو نجح حزب يساري أو شيوعي أو ليبرالي في الإنتخابات ونجح في إزاحة الحزب الناطق بإسم السماء, هل ستدعه القوى الثيوقراطية يحكم بغير شرع الله ؟

ومن المعروف أن من أبسط دعائم الديموقراطية الحديثة الفصل بين السلطات, وبما أن الإخوان يحاولون بكل السُبل تجميل برنامجهم الديني ببعض الرتوش الليبرالية, فقد انتبهوا لوضع تلك الجزئية التى تقول :

"استقلال وتوازن سلطات الدولة وتكامل مؤسساتها مع مؤسسات المجتمع المدنى، يمثل
السياسة الرئيسية التى تحقق استقرار الدولة".

كيف تتوازن سلطات الدولة المختلفة في وجود سلطة فوقية مانحة مانعة, بإمكانها تعطيل القوانين وشل أي حراك سياسي قانوني قد ينشأ من تفاعل السلطات الثلاثة المختلفة ؟ يدّعي واضع البرنامج الإخواني المجهول أن بإمكانه جمع التضاد وطرح قضايا لا يكن التوفيق بينها وضرب اكثر من عصفور بحجر وقسمة نظام الحكم لنصفين كالماء والزيت !

معضلة الإخوان الحقيقية أنهم يريدون تصدير عدة صور للمجتمع المصري والدولي لا تتوافق مع بعضها البعض, فهم الجماعة الديموقراطية المدنية التي تؤمن بحرية الرأي والتعبير وتتقبل الآخر وتحتوية ولا ترضى بغير سيادة القانون والدستور بديلاً, وفي نفس الوقت, هي الجماعة التي تتولى حماية الدين الإسلامي ولا تتنازل عن سيادة المقدس ولاترضى بولاية المرأة وغير المسلم وترى أن رأي فقهاء وعلماء الدين هو الأرجح والأعلم وتخلط الديموقراطية بالشورى رغم الفارق الضخم بينهما, ومع أن كثير من الأصوات الأزهرية والأخوانية ترى أن الحكم بالديموقراطية هو تقليد للغرب مرفوض وتخلي عن الهوية العربية الإسلامية غير مقبول بالمرة, إلا أن الجماعة ترى أن الديموقراطية هي نظام الحكم الأمثل من الناحية المدنية وفي نفس الوقت الشورى هي نظام الحكم الآلهي الواجب إتباعه في النواحي التشريعية والقانونية ! وبالطبع النتيجة معروفة, لن يرضى السلفيين والمتشددين عن الشورى بديلاً ولن يرضى المجتمع الدولي والمثقفين والسياسيين المصريين عن الديموقراطية المدنية نظام حكم آخر يحافظ على الحريات ويحترم الآخر ولا يتكلم بإسم الله.

" دولة تقوم على مبدأ المواطنة ...
مصر دولة لكل المواطنين الذين يتمتعون بجنسيتها وجميع المواطنين يتمتعون بحقوق
وواجبات متساوية، يكفلها القانون وفق مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص.
ونعتبر المواطنة هي القاعدة التى تنطلق عنها المطالبة بالديمقراطية، ليس بغرض تداول
السلطة فحسب، بل بغرض ممارسة الديمقراطية، المتجاهل لمبدأ الأغلبية (ص12("

كيف تستوي المواطنة مع التمييز الديني ؟ كيف تستوي المساواة بين مختلف طوائف الشعب مع لجنة دينية إسلامية عليا تتولى شئون الحكم ؟ أين المواطنة مع عدم إمكانية تولي المرأة أو أى مواطن لا يدين بالإسلام منصب رئيس الدولة ؟ السبب الرئيسي لعدم تولي رئيس غير مسلم الحكم أنه لن يستطيع أن يحكم بشرع الإسلام كونه غير مسلم, ولكن السؤال هنا, لماذا من الاساس الحكم بالدين إذا كانت الدولة ليست مسلمة 100% ؟ وإذا حكمنا بالدين فقط, أين هي تلك الدولة المدنية الديموقراطية التي تؤمن بإحتواء الآخر ولا ترفضه في حين أنها تحكم مواطنيها بشريعة دين لا يدينون به ؟

"إن عدم تحديد شكل معين للشورى مع القواعد الإسلامية المقررة لتحقيق مصلحة العباد والبلاد يوجب علينا أن نأخذ بأحسن ما وصلت إليه المجتمعات الإنسانية في ممارستها الديمقراطية فى عصرنا الراهن من أشكال وقواعد وطرق إجرائية وفنية لتنظيم استخلاص الإجماع وتحسين ممارسة السلطة وضمان تداولها سلميًا وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية فيها وتفعيل المراقبة عليها )(ص14("

إذاً نحن متفقين على أنه لا يمكن تشكيل نظام حكم كامل بالشورى فقط ويجوز الأخذ من نظم الحكم الديموقراطية ! فإذا لم نستطع تطبيق نظام حكم ديني كامل في عصرنا الحالي, فكيف نُصر على إستخدام ما نريده من نظام الحكم الإسلامي ونأخذ الباقي من نظم الحكم التي يعتبرها متشددي الجماعة والأزهر نظم كافرة وضعية لا ترقى للنظم الآلهية ؟ ما يحدث هو أن الجماعة (ترقّع) نظام حكم بالتفصيل على مزاجها الشخصي, ترضي به المتشددين والمسلمين البسطاء, وفي نفس الوقت تكسب ود الغرب والسياسيين والمثقفين المصريين, والترقيع بتلك الطريقة سيؤدي في النهاية للتخبط والفوضى إلى أن نصل لسيادة احدهما على الآخر, وفي تلك الحالة تحديداً سيسود التشدد على التسامح, والتمييز على المساواة, والتفرقة على المواطنة, وظل الله على الارض على مجلس الشعب, وهو ما لا نرضاه لمصر ولا لشعبها.

فهل حان الوقت لمواجهة من يريدونها فتنة طائفية ويتمنون العودة لديكتاتورية الحكم الديني ؟

ليست هناك تعليقات: