الثلاثاء، ٢٥ نوفمبر ٢٠٠٨

العلمانية الأسبانية كما نطالب بها



قاض إسبانى يطالب مدرسة حكومية للمرة الأولى بإزالة الصلبان من الفصول والأماكن العامة

======================================

أمر قاض إسبانى، وللمرة الأولى، مدرسة حكومية بإزالة الصلبان المعلقة على جدران غرف الصف، حسب ما ذكرت صحف أسبانية أمس الأول.

وصدر أمر القاضى فى مدينة فالادوليد تماشيا مع طلب تقدم به والد أحد التلامذة ورابطة علمانية محلية عام ٢٠٠٥ ، قالت إن الدستور الإسبانى يضمن «حرية الديانة» كما يؤكد أن الدولة الأسبانية هى دولة «علمانية محايدة».

وأمر القاضى اليخاندرو فالنتين المدرسة بإزالة «جميع الرموز الدينية من غرف الصف والأماكن العامة».

وقال القاضى فى معرض حكمه إن «وجود مثل هذه الرموز فى الأماكن التى يتلقى فيها الصغار تعليمهم تشيع فكرة بأن الدولة أقرب إلى الكاثوليكية منها إلى الأديان الأخرى».

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=187768&IssueID=1235

=========================================

خبر صغير لكنه يحمل في طياته الكثير والكثير مما يمكن أن يقال, إسبانيا الدولة المسيحية الكاثوليكية تمنع الصلبان والرموز الدينية المسيحية في مدارسها بأمر القضاء لأنها ضد العلمانية وحيادية الدولة, لم يعترض أحد, لم يقول لننصر المسيحية, لم تخرج المظاهرات, لم ينعق المتطرفون, هذه هي العلمانية التي نتحدث عنها, وهذه هي حيادية الدولة التي لطالما طالبنا بها.....

الدولة لا دين لها, الدولة كيان إعتباري لا يحمل شخصية ذات صفات إنسانية محددة مثل التدين أو الإنحياز أو التعصب لفئة على حساب الأخرى, لا تنصر دين على دين, ولا تقوم أجهزتها برعاية دين ونبذ الآخر, هذه هي العلمانية التي تحافظ على ترابط شعب الدولة الواحد مهما إختلفت وتعددت دياناته ومعتقداته ومذاهبه, لا للرموز الدينية بكافة أشكالها وأنواعها, لا للحجاب والنقاب والإسدال, لا للسلاسل التي تحمل الصليب, لا للصليب على الرسغ الأيمن, لا للملصقات في الشوارع ووسائل المواصلات, لا لحصص الدين التي تفرق بين الطلاب, لا لأصوات الآذان التي ترتفع مهما كان الوقت ومهما تسببت من إزعاج, لا للخطب الدينية التي تثير متبعي الأديان ضد بعضهما البعض, لا للبرامج الدينية في غير القنوات المتخصصة, على أن تكون القنوات الدينية تحت رقابة علمانية صارمه حتى لا تتحول لمنابر تثير الفتن الطائفية وتنمي الأحقاد وتزرع الحقد والكراهية.....

هذه هي العلمانية التي نرغبها ونموت لأجلها, إتركوا الدين للإنسان فقط لا غير, ولنوقف الدعوة والتبشير وحد الردة والثأر الديني ومقارنة الأديان والمناظرات الدينية....

تحيا أسبانيا, تحيا العلمانية

الأربعاء، ١٩ نوفمبر ٢٠٠٨

القضاء السعودي بين الأحكام السماوية والقوانين الوضعية


كثر الحديث عن مدى مشروعية الحكم الصادر بحق الطبيبين المصريين والذين حوكموا بتهمة التسبب في إدمان مريضة سعودية, وهل هو حكم شرعي طبقاً للشريعة الإسلامية أم هو حكم جائر لا وجود له في الشريعة, وفي مقالنا الحالي نلقي الضوء على الحكم ومدى ملائمته للشريعة الإسلامية مع توضيح الجوانب السلبية المحيطة به.....

عقوبة الجلد في الشريعة الإسلامية نوعين:
الأول: الجرائم الحدية، وذلك في ثلاثة حالات فقط:
1. شرب الخمر أو أي مسكر، وهو أربعين جلدة
2. قذف المحصنات، وهو ثمانون جلدة
3. الزنا لغير المتزوج، وهو مائة جلدة
الثاني: العقاب التعزيري، وهو الذي تُرِكَ تحديد مقداره للحاكم، أو السلطة التشريعية، أو القاضي، وهذا لم يُتْرَك بلا ضابط، فحده ألا تزيد عدد الجلدات عن عشر جلدات، وذلك بنص ما روي عن أبي بردة قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى" رواه البخاري ومسلم

مما سبق يتضح لنا أن عقوبة ال 1500 جلدة المفروضة على الطبيبين لا وجود شرعي لها على الإطلاق في الشريعة الإسلامية, وإذا أضفنا لها عقوبة السجن 15 عاماً نجد انفسنا أمام معضلة لا تفسير لها لدى القضاء السعودي, تلك المعضلة تتلخص في الكيفية التي خلط بها القضاء السعودي بين حكم سماوي (الجلد) وحكم وضعي (السجن), فمن المعروف تاريخياً أن السجن لم يكن عقوبة معمول بها في وقت الرسول (ص), كذلك لم يُعمل به كعقوبة سماوية في كل العهود التي تلت وفاة الرسول, وبالتالي فإعتبار عقوبة السجن من ضمن الشريعة الإسلامية هو خلط غير مقبول ولا سند له في المصادر الرئيسية للتشريع (القرآن الكريم-السنة النبوية-السيرة المحمدية), وإذا كانت المملكة السعودية تتباهى دوماً بأنها الدولة الإسلامية السنية الوحيدة التي تطبق شرع الله فلماذا تستخدم قوانين وضعية (هي من وجهة نظرها مرفوضة أمام القوانين الإلهية) بجانب قوانين الشريعة الإسلامية؟

من جهة اخرى, من المعروف في أحكام القضاء أن إزدواجية العقاب يعتبر حكم باطل في جميع الأحوال, ولا يجوز للقاضي أن يحكم بحكمين مختلفين على نفس المتهم, فما بالنا إذا كانت العقوبتين إحداهما سماوية والأخرى وضعية في دولة القضاء فيها قضاء ديني بحت يستند فقط للمصادر الإسلامية الرئيسية في التشريع؟

لم يرد من قبل حكم في التاريخ الإسلامي مستند إلى المصادر الرئيسية للشريعة الإسلامية حدث فيه أن عوقب المتهم بالجلد بهذا العدد المهول من الجلدات إلى جانب السجن بتلك المدة الطويلة, والحوادث الوحيدة التي لها ذكر في التاريخ الإسلامي بشأن إزدواجية العقوبة أو قسوتها بما يتعدى العدد الشرعي للجلدات كان من نصيب الصحابة, ومن المعروف أنه لا يعتد بفعل الصحابي أو قولة إذا تعارض مع الشريعة الإسلامية بكل مصادرها.....

فما هو المبرر إذاً من الحكم الصادر من القضاء السعودي؟ وعلى ماذا إستند القاضي في حكمه؟ لو كان إستناده للشريعة كما تدّعي المملكة فالشريعة مختلفة كلية في حكمها, ولو كان إستناده لقانون وضعي فلتكف المملكة عن تباهيها بتطبيقها للشريعة ومطالبتها لجيرانها بالمثل وإلا فهم كفرة كما يقول شيوخها وحاكميها.....

هنا ينبغي لنا أن ننظر بعين الإعتبار للدعاوى المطالبة بتطبيق الشريعة في مصر أو غيرها من الدول العربية, فإذا كانت الدولة الأولى الراعية للإسلام والمطبقة الوحيدة –كما تقول- للشريعة الإسلامية تطبق قوانين ما انزل الله بها من سلطان, فما بالنا بالدول التي حكمها مدني ودستورها وضعي مثل مصر؟ إذا كانت الشريعة غير مطبقة في بلد الرسول والإسلام والتي يسكنها أغلبية مطلقة من المسلمين مع أقلية تعد بالآلاف فما بالنا بدولة مدنية يسكنها ما يقرب من 12 مليون قبطي؟ هي دعاوى في النهاية خيالية وتأتي من دولة لا تفعل ما تنصح ولا تطبق ما تفرضه على غيرها ولا تهتم بالعدل الذي هو أساس الملك (أو الحكم) على رعاياها من جيرانها, أما الحكم الصادر بحق الطبيبين المصريين فهو ليس بحكم قضائي خالص, وإنما تشوبه شُبهة سياسية ومن الممكن القول أيضاً إنتقامية أو تحقيرية, والسؤال الواضح هنا, ماذا سيكون حكم القضاء السعودي إذا كان المتهمين يحملون الجنسية الأمريكية أو جنسية الإتحاد الأوروبي؟ أعتقد الإجابة واضحه ولا تحتاج لتفكير.....


السبت، ١ نوفمبر ٢٠٠٨

نصف كم الرجال يثير الغرائز أيضاً!

جريدة القدس العربي

صحيفة "القدس العربي" نشرت خبر عن استاذ في جامعة الازهر طالب الرجال بعدم لبس أي ملابس "نصف كم" والبنطلونات الضيقة التي تظهر العورة، لدرء الفتنة.

ونقلت الصحيفة عن تقارير صحفية محلية قولها إن "العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية بنات بمحافظة كفر الشيخ (اقصى شمال دلتا النيل) محمد أبو زيد الفقي قال في خطبة الجمعة في أحد مساجد مدينة كفر الشيخ إن قمصان الرجال ذات الازرار المفتوحة والـ"تي شيرت" نصف كم تثير إعجاب النساء بالرجال."

وطالب الفقي أيضاً "السلفيين الذين يقصرون جلبابهم ويكشفون جزءا من أقدامهم بارتداء الجوارب لعدم إثارة النساء ومنعا لإثارة إعجابهن، مشيرا إلى أنه سأل بعض النساء عن لبس الرجل قميصا أزراره مفتوحة أو 'تي شيرت' نصف كم، فقلن إنهن يستحين من إعجابهن بالرجل، لكنه لا يصل إلى حد الإثارة."

http://arabic.cnn.com/2008/middle_east/10/28/news.arab/index.html
--------------------------
--------------------------------------------------------------

إذاً فقد حان وقت فرض الحشمه على الرجال أيضاً! ولم لا؟ فهذا ما قلناه من قبل؟ ومن الممكن ان نجد في المستقبل المشرق القريب رجال بحجاب او نقاب وقد يهم تلك ايتطور الأمر لنقاب بعين واحده كما هو الحال في النساء الآن!

وهكذا تدور الدائرة ليجد الرجال أنفسهم في نفس موقف النساء الذي لطالما أيدوه من قبل, وليشعروا ولو بالقليل من شعور النساء المحجبات والمنقبات الذين فرضت عليهم تلك الأزياء تحت غطاء الحشمه والعفه والشرف, فلننتظر الآن لنرى كيف سيتصرف الرجال عندما يواجهون بنفس المبررات التي ساقوها للنساء, وهي انهم يثيرون فتنة النساء وشهواتهم وغرائزهم للدرجة التي طالبوا فيها بتغطية أقدام الرجال بجوارب حتى لا يفتتنوا من منظر أقدامهم البديعة!

لا أعلم لمتى ستستمر تلك المهازل؟ ولا أعلم لما سيستمر التنافس بين شيوخ السعودية وشيوخ مصر على من منهما أكثر تطرفاً؟ في النهاية الخاسرون أكثر بكثير من الرابحون, وسيزداد الهجوم بالطبع على الإسلام ومشايخه, وسنرى قريباً الصراع بين الرجال على من منهم أكثر تحشماً وعفة من الآخر كما هو الحال بين النساء المحجبات والمنقبات اللائي يزايدن على بعضهن البعض فيمن فيهن أكثر تديناً وحشمه من الأخرى!

إستعدوا يا رجال, فقد حان وقت تحجيبكم ....

زواج طفلة الاربع سنوات بطفل السبع سنوات, من السبب؟



البيان الإماراتية

ومن العروس التي تحملت المشقة، إلى عروس لم تعرف شيئاً بعد، إذ قالت صحيفة "البيان" إن "الشرطة الباكستانية داهمت حفل زفاف لطفلين في مدينة كراتشي واعتقلت رجل دين عقد قران طفلة عمرها أربع سنوات على طفل في السابعة."

وذكرت الشرطة أنها داهمت منزلاً مساء الخميس في أعقاب شكاوى من السكان من بينهم المسؤول الحكومي السابق نازاكات حسين، الذي قال إن الطفلة جرى تزويجها مقابل حوالي 500 ألف روبية (6138 دولار)، وفقاً للصحيفة.

ونسبت الصحيفة إلى حسين قوله: "لاحظنا بعض التجمعات في هذا المنزل على مدى يومين.. والليلة الماضية توجهنا إلى هناك ورأينا الطفلة تزوجت بالفعل.. لذلك قمنا باستدعاء الشرطة."

وقالت الصحيفة إن "الشرطة اعتقلت والد الطفل لكن والد الطفلة لاذ بالفرار.. وذكر بعض السكان أن الزواج عقد لتسوية نزاع أسري قديم."

http://arabic.cnn.com/2008/middle_east/11/1/press.arabs/index.html

==========================================================

وهذا نص الحلقة (33) من مذكرات يوسف القرضاوي:


كانت ليلة حافلة جياشة بالعواطف والمواقف. وقد ودعتني الطالبات بمثل ما استقبلنني به من المودة والابتهاج، وكان في وداعي عدد منهن صحبنني إلى الباب، وقد استرعى انتباهي إحداهن، وزميلاتها ينادينها باسمها: أسماء. فقلت لها: هل أنت أسماء صاحبة الكلمة على المنصة؟ قالت نعم: أنا هي. فلما نظرت إليها عن قرب قلت: سبحان الله! لقد جمع الله لك يا أسماء بين الجمال الحسي، والجمال الأدبي، أعطاك الله الذكاء والبيان، وحضور الشخصية، والجمال والقوام. بارك الله لك يا ابنتي فيما منحك من مواهب، وبارك لك في فصاحتك، وبارك لك في شجاعتك، وبارك لك في ثقافتك. لقد أثلجت صدورنا بردك القوي البليغ.

فقالت: لعل كلمتي حازت رضاك يا أستاذ!

قلت: أكثـر من الرضا، ولست وحدي، ولكن كل المدعوين من العلماء والدعاة عبروا عن رضاهم وإعجابهم. زادك الله توفيقا.

قالت: ما أنا إلا تلميذة من تلميذاتك وتلامذتك الكثيرين هنا، لقد تتلمذنا على كتبك من بعيد، ونتتلمذ عليك اليوم مباشرة من قريب. وقد رأيت وسمعت كيف يحبك الجميع.

قلت: إذا كان تلاميذي على هذه الدرجة من نضج التفكير، وبلاغة التعبير، فقد يغرّني هذا كأستاذ!


قالت: كتبك العلمية والفكرية ساعدتنا على أن نستكمل ثقافتنا الإسلامية، وأسلوبك الأدبي والشعري ساعدنا على أن نقوِّم تعبيرنا العربي، وقد كنا نتدارس كتبك في حلقاتنا التربوية.

قلت: وهل عرفتم شيئا عن شعري؟


قالت: نحفظ نشيد (مسلمون) وكنا نتغنى به في لقاءاتنا الإسلامية، وننشده بصورة جماعية، فيثير فينا الحماس والاعتزاز.


كما نحفظ بعض الأبيات من قصيدتك (النونية).

قلت: في أي الكليات تدرسين؟ وفي أي التخصصات؟

قالت: في كلية العلوم والتكنولوجيا، وفي قسم الرياضيات.

قلت: يا سبحان الله! كنت أحسب أنك في كلية شرعية أو أدبية. أنت مثل بناتي الأربع، كلهن في تخصصات علمية. وعلى فكرة، ابنتي الصغرى أسمها أيضا أسماء، وأظنها في مثل سنك.

قالت: أرجو أن تبلغها تحياتي.

قصة زواجي الثاني

كان هذا هو الحديث العفوي الذي دار بين تلميذة وأستاذها، أو بين مريدة وشيخها، أي بيني وبين الطالبة النابهة اللامعة أسماء بن قادة.ولم أكن أدري أن القدر الأعلى الذي يخط مصاير البشر، قد خبأ لي شيئا لا أعلمه، فقد حجبه عني ضمير الغيب. وأن هذا الحديث التلقائي بيني وبين أسماء -الذي لم يتم بعده لقاء بيننا إلا بعد سنتين كاملتين1- كان بداية لعاطفة قوية، أدّت لعلاقة وثيقة، انتقلت من عالم العقول إلى عالم القلوب، والقلوب لها قوانينها وسننها التي يستعصي فهمها على كثير من البشر، وكثيرا ما يسأل الإنسان: ما الذي يحوّل الخليّ إلى شجيّ؟ وما الذي يربط رجلا من قارة بامرأة من قارة أخرى؟ أو ما الذي يحرك القلوب الساكنة، فتستحيل إلى جمرة ملتهبة؟ حتى ترى النسمة تتطور إلى إعصار، والشرارة تتحول إلى نار! ولا يجد المرء جوابا لهذا إلا أنه من أسرار عالم القلوب. ولا غرو أن كان من تسبيح المؤمنين: سبحان مقلب القلوب! وقد قال الشاعر:

وما سُمِّيَ الإنسان إلا لنسيه

وما القلب إلا أنه يتقلب!

وفي الحديث: "إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء"2، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ويسوي بينهن في الأمور الظاهرة، ثم يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك" 3 يعني: أمر القلب! فقد شاء الله أن يتطور الإعجاب إلى عاطفة دافقة، وحب عميق. لا يدور حول الجسد والحس كما هو عند كثير من الناس، بل يدور حول معان مركبة، امتزج فيها العقل بالحس، والروح بالجسم، والمعنى بالمبنى، والقلب بالقالب، وهذا أمر لا يعرفه إلا من عاشه وعاناه.


كما قال الحكيم: من ذاق عرف! وكما قال الشاعر:

لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها!


وقد يعذل العاذلون، ويلوم اللائمون، ويعنّف المعنفون، ويقول القائلون: لم؟ وكيف؟ كيف يحب الأستاذ تلميذته؟! أم كيف يحب الشيخ الكبير فتاة في عمر بناته؟! وهل يجوز أن يكون لعالم الدين قلب يتحرك ويتحرق مثل قلوب البشر؟ ولا جواب عن ذلك إلا ما قاله شوقي في نهج البردة: يا لائمي في هواه والهوى قدر.. لو شفّك الوجد لم تعذل ولم تلم


على أن أساس هذا العذل واللوم هو أن كثيرا من الناس يهبطون بهذه العاطفة النبيلة (عاطفة الحب) إلى أنها تعلق جسد بجسد، وهو تصور غير صحيح، وتصوير غير صادق، وإن صدق في بعض الناس، فليس يصدق في الجميع. وقد وصفت هذا الحب، فقلت:


حب أرواح تسامت عن سُعار واشتهاءْ

فليقل من شاء هذا الحب وهم وغباء

ليس في عالمنا حــب سوى حب البقاء

ليس في الدنيا سوى حـــب سباع لظباء

نحن في عصر الحواســيب وغزْوات الفضاء

فذرونا من جوى قيس وليلى والبكاء

فليكن عصركم ما شئتمو يا أذكياء

إن دنياكم بغير الحـــب قشر وغثاء

إنها مبنى بلا معــــنى ورسم في الهواء

إنها تمثال إنسا ن من الروح خواء

إن سر الكون في حرفــين: في حاء وباء!

أسماء بنت الصحوة


فقد كانت أسماء من بنات الصحوة الإسلامية، في الجزائر، ومن زهرات ملتقيات الفكر الإسلامي، وكانت بعد كلمتها في ملتقى الصحوة بالعاصمة، معروفة لدى رموز الملتقى وشيوخه الكبار، قريبة منهم، كالشيخ الغزالي، والدكتور البوطي والفقير إليه تعالى. وكنت أقربهم إليها، وكانت تدهش الجميع بأسئلتها الواعية، ومقترحاتها المفيدة. ولم تكن فتاة معقدة ولا مرتبكة، بل بدا لكل من اقترب منها أنها فتاة مثقفة ثقافة متوازنة ومتكاملة، علمية وأدبية، دينية ودنيوية، شرعية وعصرية، وأنها مع إتقانها للغة الفرنسية -التي يتقنها النخب من الجزائريين- تتقن العربية بصورة تلفت الأنظار.

وأنها قارئة جيدة لتراث مالك بن نبي، كما قرأت لعدد من العلماء والمفكرين الإسلاميين في المشرق العربي، وعلى رأسهم الشيخ الغزالي، والعبد الفقير، وكل كبار الكتاب الإسلاميين على اختلاف مدارسهم وعروقهم وبلدانهم. بل قرأت لغير الإسلاميين أيضا، ولكنها تقرأ قراءة من يفحص وينقد وينتقي. وكان لها نشاطها الدعوي والثقافي في المساجد والأندية، وفي المعاهد والجامعات، وفي الإذاعة والتلفزيون الجزائري، بل كانت هي أول فتاة جزائرية محجبة تظهر على الشاشة الصغيرة، وتجتذب المشاهدين والمشاهدات.


ومع هذا لم تقبل أن تنتسب إلى أيٍّ من الجماعات أو المدارس الفكرية أو الدعوية على الساحة الجزائرية. حاول من يسمونهم: دعاة (الجزأرة) أن يضموها إليهم فاستعصت عليهم، وحاول دعاة الإخوان أن يجروها إلى جماعتهم؛ فأبت عليهم أيضا، بل دعاها الأخوات (القبيسيات) المعروفات بالعمل الدعوي والتربوي في سوريا إلى زيارتهن هناك، ونزلت ضيفة عليهن مدة من الزمن، وكن يطمحن إلى أن يكسبنها لجماعتهن؛ فلم يمكنهن ذلك.


وكانت لأسماء صديقة تعد من داعيات جماعة الإخوان (جماعة الشيخ محفوظ نحناح)، هي الأخت دليلة أو (هالة) تصحبها دائما إذا أرادت زيارتي. وقد أرادت أختنا الفاضلة -حين لاحظت اهتمامي بأسماء- أن تنبهني إلى أنها ليست عضوا في الجماعة! فقلت لها: أعرف ذلك، وقد أفضل أن تكون كذلك. فمن الناس من الخير له أن لا يرتبط بعضوية جماعة من الجماعات، لا لآفة فيه، ولكن لأن طبيعته ترفض القيود والالتزام برأي غير رأيه. وهذا لا يصلح للجماعات ولا تصلح له الجماعات.


قلت لأسماء مرة: لماذا سموك (أسماء بن قادة) ولم يقولوا: (بنت قادة)؟!

قالت: (بن قادة) هو لقب العائلة المتوارث والمعروف. ثم قالت: هل تعرف الأمير عبد القادر؟

قلت: حق المعرفة. إنه أمير على ثلاثة مستويات: أمير في الجهاد، وأمير في العلم، وأمير في السلوك والتصوف.


قالت: إن عائلتنا هي جزء من عائلة الأمير، رحمه الله.

قلت: أنعم وأكرم. وأنا أعرف أن الأمير ينتمي إلى سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما، فعائلته هاشمية حسنية.

قالت: هي كذلك. ولكن والدي يحذرنا أن نعتمد على النسب الحسني، ونفخر بذلك، وندع العمل والجد.

قلت: نعم هذا التوجيه من أبيك. وهو موافق لما جاء به نبينا العظيم في قوله: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".4


وقد دعاني بعد ذلك والدها الأستاذ محمد بن قادة على العشاء في منزلهم بحي الرستمية بمنطقة الأبيار، وهي من أرقى المناطق في العاصمة، فلم يسعني إلا أن ألبي دعوته. وتعرفت على الوالد والوالدة، وعلى إخوتها، وهم ثلاثة، وعلى أخواتها، وهن ستّ، ثلاث منهن يحملن الدكتوراه في الفلسفة وفي الاجتماع وفي الجراحة.


ووالدها رجل معروف في المحيط الأكاديمي والتربوي: إنه (أبو الرياضيات) في الجزائر. والجميع يعرف دوره المرموق والرئيسي في تعليم الرياضيات، وفي تعريبب الرياضيات بعد الاستقلال، وكان يصدر مجلة تحمل اسم (الخوارزمي).


وقد مضت سنوات، انتهت أسماء فيها من دراسة الرياضيات، وحصلت على شهادة الباكالوريوس بامتياز. ثم انتقلت إلى تخصص آخر، في مجال آخر مغاير تماما، هو العلوم السياسية. وفي هذه السنوات كنت أواري حبي، وأكتم عاطفتي في نفسي لاعتبارات شتّى. ولكل إنسان منا طاقة في الكتمان والصبر، ثم تنفد طاقته بحكم الضعف البشري. ولا بد أن يأتي يوم يبوح فيه الإنسان بما في أعماقه.


وجاء هذا اليوم لأبث أسماء ما بين جوانحي من مشاعر وأشواق، في رسالة كتبتها إليها سنة 1989م، وأنا أقدم رجلاً وأؤخر أخرى. فلم يكن بالأمر العاديّ ولا السهل أو الهين عليّ أن أصارحها بحبي وبيني وبينها عقود من السنين تفصل بيننا. وكانت مفاجأة لها، فكرت فيها مليّا، وترددت كثيرا قبل أن تأخذ قرارها الذي لم تقدم عليه إلا بعد استخارة واستشارة، فلا خاب من استخار، ولا ندم من استشار. وقد كان ردها بردا وسلاما على قلبي، ولكم كانت فرحتي عندما وجدتها تجاوبت معي، وأحسست بسعادة غامرة أشبه بالسعادة التي تحدث عنها الصوفية حين قالوا: نحن نعيش في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف! فقد تلاقت روحانا، بعد أن تعارفنا في عالم ما قبل المادة. وفي الحديث الصحيح: "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".5

1- فلم يقدر لي أن أشارك في ملتقى صيف 1985م، حيث أجريت عملية جراحية (انزلاق غضروفي) في ألمانيا، فلم أتمكن من الحضور.

2- رواه مسلم (2654) عن عبد الله بن عمرو.

3- رواه أبو داود (2134) عن عائشة.

4- رواه مسلم (2699) عن أبي هريرة.

5- متفق عليه: رواه البخاري (3336) عن عائشة، ومسلم (2638) عن أبي هريرة.!!!

http://www.thirdpower.org/show_art_main.cfm?id=25218
===================================================

في إعتقادكم زملائي الأعزاء, هل هي صدفه أن تكون الدول العربية والإسلامية هي الوحيدة التي تطبق زواج الأطفال وبمباركة ومشاركة شيوخها وعلمائها الأفاضل؟

ماذا دهاكم يا رجال الدين الإسلامي؟ هل أعمتكم الثروات وتغلبت عليكم الشهوات لدرجة إشتهاء الأطفال ومباركة زواذج ذات الأربع سنوات بذي السبع سنوات؟

أين ضمائركم التي هي مشذبه ومهذبه بالتدين؟

اين تشددكم في العادات والتقاليد والشرف والعفه امام عامة الناس حين تختلون بأنفسكم؟

أزمة حقيقية نعيشها مع علماء الإسلام والمسلمين من اتباعهم, ازمة بين التدين المطلوب بشدة وبشكل ملح, وبين الممارسات اليومية والاخلاق ومسايرة الحياة, وبين هذا وذاك يظهر التناقض والشيزوفرانيا والنفاق والخداع والمظهر الكاذب والكذب الفاضح.....

الجمعة، ٢٦ سبتمبر ٢٠٠٨

متى يخرج الأزهر من أزماته ويسترد دوره المعتدل؟


دأب الأزهر منذ نشأته على أن يكون الصوت الرسمي المعبر عن الدين الإسلامي سواء في الدول الإسلامية أو كمتحدث عالمي بإسم الإسلام, كذلك أعتبر الأزهر المؤشر الرئيسي على درجة إعتدال أو تشدد المسلمين تبعاً لنوعية الفتاوي التي يصدرها والسياسة الرقابية التي يفرضها على المبدعين والفنانين في شتى المجالات الإبداعية, وعلى مر التاريخ كان الأزهر المثال الواضح على إعتدال الإسلام وتقبله لمختلف الآراء والمانع الأول للإختلافات المذهبية المؤدية للحروب الأهلية والفتن الطائفية, كذلك إمتاز الأزهر بإستقلاليته عن دوائر الحكم والسلطه لفترة ليست بالقليلة من الزمان, بل وكان كذلك مصنع لتخريج المعارضين لسياسات الحكام تحت شعارات إسلامية بحته ترفض الظلم والطغيان وتنحاز للعدل والمساواة, ولم يقتصر الأمر على المعارضين السياسيين فحسب, وإنما إتسع دوره السياسي كذلك ليشمل مقاومة الإحتلال ورفع الروح المعنوية للشعب في الحروب وقيادة الجماهير في المظاهرات والإحتجاجات, والأمثله التاريخية لا تعد ولا تحصى بداءاً من تعبئة الجيش العربي لمواجهة الصليبيين مع صلاح الدين الأيوبي إنتهاءاً بموقف الأزهر الجليل في مواجهة الإحتلال الفرنسي والإنجليزي, فماذا حدث في القرن العشرين حتى وصل الحال بالأزهر لتلك الدرجه الغير مسبوقه من إنعدام الدور وإنحيازه للسلطه على حساب الشعب وضيق تفكيره في مواجهة الحريات الإبداعية ومآساته اللانهائية مع معضلة الفتاوي التحريمية ذات الطابع الوهابي المتشدد؟

بعد إنتهاء حرب 73 المجيدة وتكليل جهود الرئيس السادات بالنجاح الباهر في مجال إستعادة الأرض المفقودة بدأت أنظاره تتجه لإقصاء الحركات اليسارية والناصرية والشيوعية بعد سنوات من سيطرتها على الشارع المصري ممثلاً بجامعاته ومراكزه الثقافية والإبداعية وحركاته المعارضه, ولم يطل الأمر كثيراً على السادات ونظامه حتى توصل للحل الأمثل, وهو الإستعانه بالدين في مواجهة من لا يستخدمونه لخدمة أغراضهم, وبدأت معركة السيطرة على الشارع بالتحالف مع الإخوان, والأهم من ذلك, بتدجين مؤسسة الأزهر لتبقى تحت السيطرة الكامله للدوله كأداة تستخدم في أوقات بعينها لفرض كلمة الدوله تحت ستار كلمة الله, ووجد الأزهريون أنفسهم أمام قوة حكومية باطشه قد تقطع أرزاقهم في لحظه, أو تعطيهم سلطه السيطرة في لحظه أخرى إذا وافقوا على دخول الحظيرة النظامية بلا جدال ولا نقاش, كذلك كانت أموال الدول النفطية بعد ثراءها المفاجىء على يد حرب 73 دعماً بلا حدود لشيوخ الأزهر ومسئوليه, وظهر الدعم في أبهى صوره ممثلاً في الإستعانة بشيوخ الأزهر وأساتذته للتدريس في تلك الدول بل وتوظيفهم كمستشارين للملوك الخليجيين وحكوماتهم, وكان المقابل بالطبع هو الترويج للفكر الوهابي في الأزهر وبالتالي نشره في القطر المصري ببساطه إعتماداً على المصداقية التي يتمتع بها الأزهر لدى المصريين, إلى جانب الدعم الحكومي المصري للأزهر كما أسلفنا في ترويج الفكر الخرافي المتشدد لإحكام السطرة على الشعب ولإقصاء قوى اليسار تماماً من اللعبه السياسية ....

في فترة الثمانينات والتسعينات باتت الحركة الوهابية بكامل فكرها هي المسيطرة على العقل الديني المصري, ومع دعم بالغ القوة من المؤسسه الأزهرية المدجنه من السلطه والمنحازة بفعل الأموال النفطية للسياسة الخليجية, ومن هنا ظهرت قوة جديدة سيطرت على التوجه الرسمي للأزهر ممثله في ضغط الشارع المصري نفسه, فظهرت بين المصريين النزعات المحافظه والتقليدية التي تركن لتغييب العقل وتغليب العادات والتقاليد التي إتخذت ظاهر ديني على الإعتدال والتطور, وصار المواطن المصري أكثر تشدداً من الأزهر نفسه لدرجة إتهامه بالتواطؤ والخذلان إذا أعرب أحد مشايخه عن رأي فيه بعض الحرية والإعتدال إزاء قضية إبداعية أو سياسية, كما حدث القضايا التي تخص حقوق المرأة مثل قضايا الخلع أو الختان, كذلك ما يختص بالحوار بين الأديان عندما إستقبل شيخ الأزهر حاخامات يهود في مكتبه للتحاور والنقاش, ثم ظهرت الطامه الكبرى ممثلة في فوضى الفتاوى التي لازلنا نعاني من نتائجها حتى الآن, وهي الدليل الأكبر على سيطرة النظام ممثلاً في الأزهر من ناحية على عقول المواطنين, ومن ناحية أخرى تُظهر نوعية الأسئله التي تدور حولها الفتاوى ومدى درجة قبول الفتوى من عدمها كدليل على رقابة الشعب الذاتية للأزهر عند أي خروج عن العادات والتقاليد التي إستنها الشعب المصري لنفسه, فرأينا كيف إعترض المواطنين مع شيوخهم من خارج المؤسسة الأزهرية (الفضائيات وأئمة المساجد) على قانون الختان ورفع سن الزواج, بل ووصل الأمر لإتهام الأزهر بموالاة السلطة مع علمهم الكامل بتلك الموالاة التي هي بلا حدود من قبل, وفي نفس الوقت يقبل نفس هذا الشعب بالفتاوى القائله بوجوب قتل المرتد إذا لم يستتاب خلال ثلاثة أيام, ويقبل كذلك كل فتاوى التحريم التي يصدرها مثل حرمانية الموسيقى والغناء والتصوير والتماثيل والفيديو جيم وعدم الذهاب للتصويت في الإستفتاءات والإنتخابات وكل ما يخص المرأة من الحجاب إلى النقاب مروراً بخروجها للعمل وحتى تعطرها في جو مصر الخانق! كل تلك الفتاوى المتشددة قبلها المواطنين, ولكنهم لم يقبلوا القليل منها المعتدل لأنهم تصوروا أن الإسلام هو التشدد والإنغلاق والرجعية بناءاً على سنوات عديدة من ممارسة الأزهر لتلك النماذج دون فترة معتدله لإلتقاط الأنفاس إلا لو جاءت تلك الهدنه بأوامر من النظام نفسه ليكبح جماح بعض الحركات الإسلامية التي قد تتحول من الجهاد باللسان إلى الجهاد بالسلاح, كذلك إذا أراد النظام تعبئة الجماهير لإنمتخابات أو إستفتاءات أو لقبول واقع تفرضه بعض القوى الخارجية ويحتاج لسند ديني يؤيده ويمرر شرعيته .....

الأزهر واقع تحت ضغوط لا قِبل له بها في الوقت الحاضر, ضغوط سياسية داخلية وخارجية ودينية من الخليج وشعبية من شعب لم يعد يرضى إلا بالإنغلاق والتشدد ولفظ تماماً أي فرصه للإعتدال والإنفتاح والتنوير, وللخروج من تلك الضغوط والعوده مره أخرى لممارسة الدور الإعتدالي التنويري لابد للأزهر من الإستقلالية عن النظام السياسي وتقديم بديل عن التدين الوهابي المظهري وتوعية المواطنين بالإسلام الصحيح الذي يشجع اليسر وينبذ العسر, فهل من مجيب لتلك الدعوة؟

الأربعاء، ٢٠ أغسطس ٢٠٠٨

هل تصنع أفكار العودة للماضي دولاً إٍسلامية حديثة؟


تدور معظم خطب المساجد أو برامج الفضائيات الدينية أو حتى الأحاديث اليومية بين المسلمين حول إستعادة الزمن المفقود من أربعة عشر قرناً بكل ما فيه من مظاهر حياة إجتماعية وإقتصادية وسياسية, ولا يتوانى المتحدث في هذا الموضوع عن إبراز كافة المظاهر الإيجابية التي تميز بها المجتمع في ذلك الزمان من حيث البساطه والنقاء والتواضع والتقشف .... إلخ, وينتهي الحديث عادة بدعوة عامه لمحاولة الرجوع لديننا بكافة مظاهره سواء من ممارسة أو تشبه بكل ما كان يحدث في الجزيرة العربية وقتها حتى يمكننا النهوض بالأمة الإسلامية من جديد وإستعادة زمن الإمبراطورية والحضارة التي فقدناها كما فقدنا كل ما يميزنا من قبل, و بالطبع لا ينسى المتحدث التذكير بأن عودة زمن الخلافة هو الحل الناجع الذي سيجعل الدول الإسلامية تفيق من سباتها لتأخذ مكانها المعهود كقوة عظمى بين دول العالم, وهكذا تستمر الأحلام في إسترجاع زمن مضى بكل ما فيه علّنا نصل لنفس النتيجة النهائية التي وصل إليها من عاصروه, وهو لعمري وسيلة للنهوض لم أرى مثلها من قبل!

يسهب المتحدث في الكلام عن زمن الزهد والتقشف وينسى أن نفس هذا الزمن هو من ترك فيه رماة الأسهم مواقعهم على الجبل في موقعة أحد ليظفروا بالغنائم والنساء قبل أن يحظى بهم حاملي السيوف والرماح والفرسان على أرض المعركة فوقعت أول هزيمة للقوات الإسلامية من بدء الدعوة, ينسون أيضاً أن المغيرة بن شعبه, وهو أحد كتّاب الرسول (ص), أحصن ثلاثمائه إمرأة كما ورد في (الإستيعاب في معرفة الأصحاب) لإبن عبد البر, أو تسعة وتسعون إمرأة كما جاء في (أسد الغابة في معرفة أحوال الصحابه), وفي كلتا الأحول تؤكد الرواية نهم المغيرة بن شعبة للنساء البعيد تماماً عن الزهد, ولا ننسى أيضاً السبي الجماعي لنساء وأطفال قبيلة بني قريضة بعد ذبح كل من نبت شعر في عانته من الذكور, ثم بيعهم كرقيق للإستفادة منهم مادياً أو سبي النساء للمتعة الشخصية لجيش المسلمين, ويستمر مسلسل الزهد والتقشف في حادثة مثل موقف سعد إبن أبي وقاص من مقتل أخيه ومساواته هذا الموقف الأليم بحرمان النبي له من سيف كان من غنائمه, وهو ما ورد بالتفصيل كما يلي :
{ عن محمد بن عبد الله الثقفى عن سعد بن أبى وقاص قال: لما كان يوم بدر قُتل أخى عمير وقُتل سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيفة فأتيت به النبى ـ ص ـ قال: فاذهب فأطرحه فى القبض قال: فرجعت وبى ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخى واخذ سلبى .. } [ ( أسباب النزول ) للواحدى النيسابورى ص 155 / و ( لباب النقول ) للسيوطى ص 85 وذكر أن أحمد بن حنبل رواه فى مسنده / و ( المقبول ) للأزهرى ص 533

ويتضح من مثل تلك المواقف السابقة, وهي غيض من فيض, كيف أن المجتمع العربي الإسلامي في ذلك الوقت لم يكن مثالياً كما يتصوره عامة المسلمين, ولم يكن أيضاً المجتمع المتحضر الراقي الذي نضعه كمثل أعلى نسعى إليه الآن, وإذا كان المجتمع الإسلامي في هذا الوقت من الزمان به بعض الإيجابيات, فهي لا تصلح بأي حال من الأحوال للزمن الذي نعيش فيه الآن, فقد حدثت حولنا متغيرات حضارية في كافة الأوجه أبادت للأبد كل المظاهر التي إتسمت بها الحضارات والمجتمعات القديمة سواء في العلاقات الإجتماعية أو الدولية أو حتى الفردية, وصارت نداءات مثل العودة للأصول أو الحنين للماضي البعيد لا تعني إلا الرجعية والإصرار على التخلف عن ركب المجتمعات الحديثة وبالتالي الخروج تماماً من حلبة الصراع على المكانة العلمية والإقتصادية والسياسية التي تسعى إليها الدول الحديثة الآن في معارك مصيرية قد ترفع من شأن شعوب تلك الدول أو تبقى حالها على ماهو عليه كأسوأ الفروض, أما ما نفعله في الدول الإسلامية فهو أسوأ من أسوا تلك الفروض, وهو الرجوع للخلف حتى زمن الناقة والخيمة والسير بدون ملابس داخلية وقضاء الحاجه في الخلاء كما كان يحدث على أرض الجزيرة العربية في ذلك الزمن السحيق ....

هل يمكن إنكار أن بناء الإمبراطورية الإسلامية وحضارتها جاء عن طريق إكتساب العلوم والمعارف والفنون من الدول المستعمرة؟ هل رفض المسلمون الأوائل تلك الحضارات العريقة بكل تطورها لحنينهم للماضي؟ لو حدث هذا لما وجد ما سمي بالحضارة الإسلامية يوماً, فقد نشأت تلك الحضارة وتطورت لأن المسلمون الأوائل إهتموا بتطوير معارفهم وعلومهم عن طريق إكتسابها من الدول التي كانوا يدخلونها فاتحين أو غازين, ولم يتوقفوا يوماً عن تطوير أنفسهم حتى صارت لهم حضارة سميت لأول مرة على إسم دين سماوي, ولو رفضوا وقتها التأقلم والإندماج مع تلك الحضارات علمياً وإجتماعياً لما قامت لتلك الحضارة قائمة ولما إستمرت عشرة قرونً بكامل قوتها, فالمعيار الأول لتقدم الشعوب وإحتلالها مكانه متميزة بين البشر هو التقدم والتطور الذي لابد وأن يساير, بل ويتفوق, على من حولها طبقاً للمعطيات والأسس التي تسود ذلك الزمان, وفي زمن حقوق الإنسان والعولمه والحريات بكل أنواعها من فردية أو إبداعية أو فكرية أو علمية لا يصلح معه تطبيق فكر زمن الرق والعبيد والسبي والغنائم والجواري وقضايا الحسبه وسمل العيون وقطع يد السارق والرمي من عل للمثلي والإعدام كعقوبة قانونية, كل تلك الأفكار لا وجود لها في المجتمعات الحديثة لأن الفكر الإنساني تجاوزها بمراحل ولم تعد حتى محل للنقاش, ومع إصرارنا على تطبيقها للعودة للزمن السحيق الذي نتصور جميعاً تصور خاطىء أنه كان مجتمع ملائكي (عكس ما تقوله كتب السيرة مثل إبن هشام أو أسباب النزول للسيوطي) في حين أنه كان مجتمع أقل من الطبيعي بلا حضارة حقيقية أو نظام حكم عادل أو سلوك إجتماعي سوي ...

حتى من الناحية السياسية لم يحدث في ذلك الزمان أن وجدت يوماً ممارسة ديموقراطية أو تداول سلمي للحكم أو نظام قانوني صارم يحفظ الحريات ويكفل المساواة لجميع أفراد الدول الإسلامية بمختلف معتقداتها وأديانها ومذاهبها (ولا ننسى هنا الوثيقة العمرية التي أصدرها الخليفة عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص حاكم مصر في ذلك الوقت كقانون عام لكيفية معاملة الأقباط), وهو ما إمتد تأثيره حتى زماننا هذا في معظم الدول العربية والإسلامية, وإذا جاء ذكر الديموقراطية ذكر البعض الشورى الإسلامية كبديل للديموقراطية الغربية, ولكن ينسى هؤلاء أن الخليفة أبو بكر الصديق تجاهل آراء تسعة من مجلس الشورى المكون من عشرة صحابيين أجلاء وإستقر على رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إتخاذ قرار مصيري تجاه من إمتنعوا عن دفع الزكاة, وطبقاً لهذا القرار تم قتل ما يزيد عن ثمانية وعشرين ألف نفس في حروب الردة الشهيرة, وحتى مع الأخذ في الإعتبار أن الديموقراطية لا تعني فقط الأغلبية, إنما هي ممارسة لها قواعدها وقوانينها وهياكلها التي لا تسمى ديموقراطية بدونها, إلا أن أبسط أمثلتها لم يتم تحقيقه في تلك الحادثه, ولم ولن يتم في ظل الشورى الإسلامية التي هي غير إلزامية للخليفة وإنما يشار من خلالها على الحاكم وله أن يأخذ بها أو يتجاهلها كأنها لم تكن طبقاً لهواه ومزاجه الشخصي, فأي ديموقراطية تلك؟ وعن أي شورى يتحدثون؟

إنعزال المسلمين عن العالم وتقوقعهم على أنفسهم والرغبة في العودة بالزمن للوراء هي أصل مشكلة العالم الإسلامي وتخلفه عن ركب الحضارة الحديثة بعشرات السنين, وإذا إتبع المسلمون الآن ما فعله أجدادهم الأوائل من إنفتاح على الآخر وتقبل لعلومه ومعارفه والإندماج في مجتمعاته وإكتساب عاداته وتقاليده ثم تطوير كل ما سبق لتشكل حضارة تأخذ دورها في التأثير على ما حولها لدارت عجلة التطور بكافة مناحيها ولإتخذ العالم الإسلامي مكانته التي يأملها بين الأمم, أما إذا إرتكنا لأخلاق الماضي وعاداته وتقاليده وخرافاته وبدائيته وممارساته التي تتنافى مع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان فنحن بالفعل نستحق ما وصلنا إليه من إنحطاط وضحاله في كافة أوجه الحياة, بل قد لا نستحق تلك الحياة مستقبلاً ....

الثلاثاء، ٥ أغسطس ٢٠٠٨

هل حان الوقت لإعادة النظر في القنوات والبرامج الدينية التي تدعو لإلغاء الآخر وتحقيره؟


لا يخفى على أي متابع للقنوات والبرامج الدينية في العشر سنوات الأخيرة أن مجتماعتنا العربية بجميع أديانها وطوائفها لم تستفاد ولو بمقدار ذرة من المادة التي تقدم فيها سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي, بل العكس هو ما أنتجته تلك البرامج بمشايخها ومفتييها وضيوفها الذين ما إنفكوا يفرضون ثقافة إلغاء الآخر وتحقيره مع ممارسات شوفينية عنصرية عديدة تمجّد أصحاب دين أو طائفه معينه على حساب مثيلاتها وتجعلهم في مرتبة أعلى إنسانياً ممن يخالفونهم.

من الإعجاز العلمي مره بقيادة الدكتور زغلول النجار إلى التطرف شديد العنصرية بقيادة الشيخ يوسف البدري و د.محمد عماره إلى الدعوات المتعدده لقتال الكفار بقيادة شيوخ قناة الناس نجد أن الجميع يقدم مواد تزيد من عمق الفجوة بين المجتمعات العربية والعلم والإنسانية والتحضر, فمن منهم قدم بحث على أسس علمية بحته من تجريب وملاحظه وإستنتاج ومشاهده ليخرج لنا في النهاية بإختراع يفيد أبناء جلدته أو يثبت من خلاله نظرية لم تكتشف بعد أو يساهم عبره في رفع مستوى وعي شعوبنا المتأخرة في كل نواحي الحياة؟ لا أحد بالطبع, كلها إجتهادات لربط العلم بالدين ونزع صفات الإنسانية والتحضر من لُب الأديان ليبقى لنا فقط الحروب والدمار والإنتحار, والغريب في الأمر أننا عندما نطالب بالمنهجية العلمية في ربط ما جاءت به الأديان مع العلم نجد أنهم يبررون منهجهم الغير علمي بأنهم ليسوا علماء طبيعة وأحياء!

ولم تكتفي القنوات الدينية بكافة برامجها بمجرد الإفتاء والإعجاز العلمي, وإنما إستخدمت شعبيتها لدى المواطنين البسطاء لتفرض قوانينها على أياً ممن يخالفون منهجها حتى لو كانوا زملاء لهم في المهنه, فأصبح كل داعى للحوار مع الآخر "منبطح غير غيور على الإسلام ورسوله", وصار كل من يدعو لعدم الربط بين العلم والدين ناكر للمعجزات العلمية القرآنية, بل ووصل الأمر بأحدهم لإعتبار الداعيه عمرو خالد كافر لأنه لم يكفّر إبليس وقال إن الأخلاق أهم من الصلاة والصيام والحج والدعاء! ثم تراجع عن فتواه بدعوى أن عمرو خالد جاهل فيلسوف! وهنا بغض النظر عن إختلافي أم إتفاقي مع عمرو خالد إلا أنني سأحترم وجهة نظره أياً كانت, ولكن لن يصل الأمر في حال غياب منابر التكفير إلى الدعوى لنزع صفة الإيمان عن شخص فقط لأنه عبّر عن رأيه, وهذا الدور بالتحديد هو ما يجعلني أطالب الآن بمواجهة حاسمه وحازمه مع الدعايات التي تبث إناء الليل وأطراف النهار من خلال قنوات وبرامج دعاية دينية متطرفة لا تسمح بجو حرية الرأي والتعبير الذي ننشده والذي يتيح المجال للفكر التجديدي التقدمي الذي تحتاجه المجتمعات العربية كحل أخير للخروج من أزمة الظلام والخرافة والجهل الذي ترزح تحت نيره.

وإذا تناولنا من جهة أخرى المشاكل والأزمات التي كان السبب الرئيسي فيها البرامج والقنوات الدينية فهي لا تعد ولا تحصى, ومن أشهرها على الإطلاق الفتوى القائله بشرعية قتل السياح الإسرائيليين على الأراضي المصرية, وبالأدله الشرعية, وهي الفتوى التي فتحت النار على ملقيها ولم تهدأ الأمور إلا بعد ظهور بعض المشايخ ممن أفتوا, وبالأدله الشرعية أيضاً, بوجوب إعطاء الأمان للأجانب طالما إستضافتهم الدولة, ثم الفتاوى المستمرة التي تستبيح قتال كل من هو غير مسلم غير سني بدعوى أن الدين عند الله الإسلام وأن السنه هم الحق لإتباعهم سنة النبي, ولا ننسى الفتاوي المستمرة بشأن المرأة والتي في كثير منها تنحاز للعنصرية ضد المرأة وإعتبارها مخلوق أدنى مرتبة من الرجل, ومن أشهرها فتاوى الخلوة غير الشرعية على الإنترنت والتي تستلزم محرم والأخرى التي إعتبرت أن مجرد ظهور الأعين من وراء النقاب فتنه لابد من منعها! هذا بالطبع إلى جانب الفتوى الشهيرة بحرمانية خلع المرأة لملابسها أمام الكلب الذكر!

وهنا يبرز السؤال الأساسي, ما هو المنتوج الثقافي أو العلمي أو الإنساني الذي إستفاده المشاهدون من سيل الفتاوى المنهمره من كل حدب وصوب من الفضائيات؟ الفائدة الوحيدة (إن صح تسميتها بفائدة) هي إزدياد الشعور العام بأن المسلمين أفضل حال بالإسلام فقط وأن الدنيا زائله لا تستحق وأن الموت خير من الحياة وأن كل من هو غير مسلم غير سني على وجه التحديد مصيره جهنم وبئس المصير!

والعجيب في الأمر أن تجد تناقضات واضحه بين القنوات والبرامج فيما تنتجه من مواد, فتجد احدهم يكفّر الملل الأخرى التي على غير دين الإسلام, في حين تجد الآخر يبرأ أهل الكتاب من الكفر, وتجد أحدهم يصرخ بحرمانية تعلم علوم الكفرة التجريبية والإكتفاء بالعلوم الإسلامية القرآنية تجد الآخر يمّجد من العلم ويقول أن الإسلام حث المسلمين على طلب العلم ولو في الصين, وبإنتقالك من قناة لأخرى ومن برنامج لنقيضه تجد انك في دوامة لا تنتهي من الآراء المتناقضة شكلاً وموضوعاً والمتفقة على نفس الأساس, وهو الشريعة والأحكام الإسلامية المختلفة.

وبعيداً عن فتاوى التكفير وإلغاء الآخر والإعجاز العلمي, نتساءل, هل مواد تلك البرامج والفضائيات التي تتكلم عن الخير والشر والأخلاق والفضائل والفساد والفسوق جاءت بجديد؟ هل يستفيد الجمهور العربي عندما يأتي شيخ ليخطب ساعتين من الزمن ليخرج في النهاية بنتيجة واحده أن القتل والسرقة حرام وأن الإهتمام بالفقير والدعوة بالحسنى حلال؟ هل ننسى أن الحلال بيّن والحرام بيّن؟ هل نتغاضى عن أن الأخلاق وطبقاً للكتاب الأشهر (قصة الحضارة) لويل ديورانت وجدت قبل الأديان؟ وأن الأديان إنما جاءت فقط لتشذيبها وتقنينها؟ فما الداعى إذن للأحاديث المتكررة عن ماهو حلال وأخلاقي وماهو حرام وغير أخلاقي؟ المشكلة الحقيقية أن الحلول والبدائل لواقعنا الأليم لن تأتى من خلال تعريف الناس بالصواب من الخطأ وفقط, ولكن من تقديم خطاب ديني متجدد يهتم بمسايرة الدين للنواحي العصرية الحالية التي تختلف تمام الإختلاف عما كان الوضع عليه من أربعة عشر قرناً, وأن تتحول منابر القنوات الفضائية ومقاعد ضيوف برامجها من شيوخ التكفير وإرضاع الكبير وبول الرسول إلى الدعوة للتنوير والتثقيف والتجديد كما فعل من قبل الشيخ محمد عبده والدكتور طه حسين في أوائل القرن العشرين والدكتور خليل عبد الكريم في وقتنا هذا رحمهم الله جميعاً, مطلوب وبشدة أن يتحول الضيوف في تلك الفضائيات من شيوخ لا يرون غير الحرمانية والتكفير إلى فلاسفة من أساتذة الجامعات المختلفة وصحفيين مهمومين بالقضية التنويرية ودعاة مهمتهم الأساسية تجديد النص الديني, هؤلاء هم من نحتاجهم لمجتمعاتنا التي تعيش في ظلمات الجهل ومحاكم التفتيش على الضمائر وكبت حرية التعبير ومنع أي أصوات تغرد خارج السرب الوهابي البترودولاري, فهل من مجيب؟

الاثنين، ٢ يونيو ٢٠٠٨

العلمانية الألمانية والعلمانية المصرية, هذا هو الفرق








في نقاش مع صديق مقيم بألمانيا حول إشكالية الإختلاف بين مفهوم العلمانية في بلاد العرب عنه في بلاد الغرب ذكر لي محدثي واقعه حقيقية حدثت في جامعة كول الألمانية, مفادها أن مجموعة من الطلبه المسلمون يدرسون في تلك الجامعة تقدموا بطلب رسمي للإدارة بمنحهم قطعة أرض تكفيهم ليقيموا الصلاة عليها حيث أنهم يقضون جلّ وقتهم في الجامعة وبالتالي لا يستطيعون أداء فروض العبادة كما تقتضي تعاليم الدين الإسلامي, فقامت إدارة الجامعة مشكورة ومتفهمه بمنحهم قطعة الأرض دون أي إعتراضات تُذكر, ما حدث بعدها أن الطلبه الألمان ذوي التوجهات المسيحية المتطرفة إعترضوا على قرار إلإدارة بمنحها قطعة الأرض للطلبه المسلمون لأداء الصلاة دون أن يكون لهم نفس الحق في قطعة أرض يقيمون عليها صلاة الأحد, فماذا كان قرار الجامعة لحل تلك المعضلة؟ قررت الإدارة رفض طلب الطلبه المسيحيون لأن توفير قطعة أرض لصلاة يوم واحد ليست بأهمية توفير قطعة لصلاة يومية وخمس مرات على مدار اليوم !

تلك هي العلمانية بحق كما ننشدها, وليست علمانية منع التدين أو الإعتداء على الحرية الشخصية كما يزعم البعض, العلمانية في مثالنا السابق دليل واضح على أن الأزمة ليست في الدين أو الإيمان, فهاهي الدولة ذات الأغلبية المسيحية تقبل طلب ديني للمسلمين وترفض نفس الطلب للمسيحيين, والأفضلية هنا ليست لدين على حساب الآخر, بل لحساب العقل والمنطق فقط لا غير, دون شبهة تعصب أو إنحياز أو نصرة فريق ننتمي إليه على فريق آخر نعتبره منافس لنا, العلمانية هنا تعني العدالة والحرية والحيادية, حيادية الدولة تجاه مواطنيها أياً كانت إنتمائتهم, وليس مطلوباً من الدولة على الإطلاق أن تتخذ ديناً رسمياً لها فقط لأن أغلبية السكان يدينون بهذا الدين, بل مطلوب منها ألا تستخدم الدين كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية أو إجتماعية أو حتى إقتصادية على حساب جزء كبير من شعبها لا يدين به, ولا أعلم حقاً كيف تصف دولة نفسها بالعلمانية في حين أن دستورها ينص في مادته الثانية على أن الشريعة الدينية المصدر الرئيسي للتشريع ! خطوة مثل تلك إما أنها تعبر عن عدم فهم على الإطلاق لأصول العلمانية أو أنها تقرّب للغرب وعامة الشعب المتدين في وقت واحد (ضرب عصفورين بحجر), والعجيب في الأمر أن كل من يرفض العلمانية يرفضها فقط لأن التشريعات الدينية لن تُنفذ كما وردت في النص, في حين يتغاضى الرافضون عن أنها بالفعل لا تطبق في ظل ورود المادة الدستورية السابق ذكرها, ولا تستخدم التشريعات الدينية إلا في حالات الأحوال الشخصية أو في بعض الأحكام القضائية بصورة عشوائية حسب القضية نفسها, فالمادة الثانية هنا تُستخدم بشكل إنتقائي بحت, لا يستفيد منها العلمانيون ولا المتدينون, وبالتالي تبقى الأزمه قائمه, دولة علمانية التوجه دينية الدستور, علمانية من الخارج طائفية من الداخل, حيث أنها تنحاز لفئة دينية على حساب الأخرى, وهي الأزمه التي لابد أن نجد لها حل قريباً في ظل المد الديني المتطرف القادم من الشرق الصحراوي النفطي, وهو بالطبع نتيجته معروفه في حال إنتصاره, ستتحول جمهورية مصر العربية إلى جمهورية مصرستان الإسلامية كما هو الحال الآن في غزستان والعراقستان وكل ال (إستانات) التي تكونت بفعل الحركات الدينية السياسية .....

المسألة لم تعد تقتصر على مدى قبولنا أو رفضنا للعلمانية كنظام للحكم, فقد تجاوزت معظم دول العالم بكل تصنيفاتها من الأول للثالث تلك الإشكالية وإستطاعت النهوض والنمو فقط عندما تخلت عن الأفكار الجامدة التي لا تقبل سوى الحقيقة المطلقة كمعيار للحكم, المسألة تنحصر في كيفية تنفيذ العلمانية كنظام للحكم وللحياة أيضاً, فمن المعايير الأساسية للعلمانية التي نفتقدها في مجتمعاتنا أن الإختلاف في الرأي لا يعني على الإطلاق أن كلاً منا يعادي الآخر أو يحط من شأنه, وأن كوني أملك دين أو أيدولوجية أو معتقد غير الذي تملكه لا يعني أن أحدنا أفضل من الآخر مهما كانت تلك المبادىء, كذلك تعطى العلمانية قيمة أسمى للإنسان على حساب أي قيم أخرى, وتعتبر أن الإنسانية هي القيمة التي تجتمع عليها البشرية مهما إختلفت الأديان أو الإيدولوجيات السياسية أو الإنتماءات العرقية أو الوطنية, ومن أهم أسس العلمانية أيضاً ما يُعرف بالحرية المسئولة, وهي القدرة على أن تستخدم حريتك بكامل إمكانياتها على شرط ألا تؤذي غيرك بها, ونجد في مجتمعاتنا العربية أن تلك القيمة مفتقدة تماماً وأبداً للفهم المغلوط بشأنها, حيث نعتبرها فوضى وإنحراف وخروج عن العادات والتقاليد حتى لو كانت تلك الحرية شخصية بحته ولا تضر أحد, في حين أن العالم العلماني في الخارج تشبع بها لدرجة أن مستوى الأخلاق والمحافظه على الذوق العام هناك أفضل مئات المرات من دولنا المحافظه التقليدية المتدينه !

الفرق بين ما يحدث في جامعاتنا وما حدث في جامعة كول أنه لو حدثت تلك الواقعة في جامعة القاهرة مثلاً ولكن بشكل معكوس (المسلمين من طالبوا بقطعة الأرض ورفضت إدارة الجامعة) لقامت المظاهرات في الشوارع مطالبه بإنقاذ الإسلام ممن يهاجموه, وآمره بإرجاع الحقوق لأصحابها الأصليين, ولقامت جماعات صكوك الغفران الدينية بحشد الحشود التي لا تعى ما تقول وإلقائها في آتون المواجهه حتى تسنح لها مزيد من الفرص لتتقدم خطوة أخرى نحو إحكام السيطرة على العقول أكثر ثم السيطرة على مقاليد الحكم فيما بعد وبعث الخلافة الإسلامية من جديد, والأعجب أن موقف الحكومة وقتها سيكون المزايدة على العواطف والأحاسيس الدينية لدى الجماهير الغاضبة لتكسب أرضاّ جديدة في مواجهة جماعة المحتكرين للإسلام, وسيكون موقف الحكومة المتوقع هو معاقبة من أصدر القرار وإقصائه من منصبه (هذا لو تجرأ وقام بإتخاذ مثل هذا القرار الجنوني بكل المعايير), هذا هو الفرق بيننا وبينهم, وهو فرق لو تعلمون رهيب ....

الاثنين، ٣١ مارس ٢٠٠٨

دور التنوير في حل أزمات المجتمع المصري


ظواهر الفوضى التي يعيشها المجتمع المصري الآن متمثله في الغلاء وأزمة الخبز والفوضى المرورية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا بحاجه لمشروع علماني تنويري عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه, فالعلاقة بين تفاقم أزمات مجتمع ما وإنخفاض درجة الوعي الجمعي لأفراده علاقة عكسية (كلما تفاقمت الأزمات كلما دل ذلك على إنخفاض الوعي الجمعي) وتلك العلاقة العكسية تفرض إحداث توازن بينهما وإلا ستصل الأمور لطريق مسدود نتيجته الوحيدة فوضى هدامه تأتي على الأخضر واليابس, وإذا نظرنا بعين فاحصة موضوعية للطرفين محور الأزمات (وأعني بهما الحكومة والشعب) سنجد أن الجانب الحكومي ينقصه التعامل بعقلية علمية تقدم الحلول بطرق تنظيمية وتخطيط مدروس وفي نفس الوقت لابد وأن يتجنب البيروقراطية والروتين والحلول العشوائية المسكنه التي قد تفاقم الأزمات بدلاً من إنهائها, ومن ناحية أخرى ينقص الجانب الشعبي تطبيق القوانين والتفكير بعقلية واعية تحقق توازن بين الشراء والإستهلاك وتتعامل بهدوء مع الأزمات دون عشوائية أو إنفعالات زائدة فوضوية.

المشكلة الحقيقية التي تواجه الجانبين هي غياب التفكير العلمي والمنهجية في التعامل مع الأزمات, وهي نفس المشاكل تقريباً التي واجهت أوروبا في عصر ما قبل النهضة حين ترافقت العقلية الإستبدادية في السياسة (الإقطاع والكنيسة) مع إنتشار الجهل والخرافة بين أفراد الشعوب (إنخفاض الوعي الجمعي), وقتها ظهر الفلاسفة التنويريين والساسة العلمانيين أمثال فولتير وديكارت وجان جاك روسو ليقودوا أوروبا بأكملها للتنوير والعلمانية والتحضر ثم الإنطلاق في سماء الحرية والديموقراطية والإكتشافات العلمية التي غيرت وجه التاريخ, ترادف التنوير والعلمانية مع التقدم والإزدهار هو ما يدفعنا الآن للمطالبة بسرعة بلورة مشروع قومي يضع المثقفين التنويريين والساسة العلمانيين في مقدمة راسمي سياسات الدولة المختلفة ووضع قواعد وأسس جديدة تنظم العلاقة بين الفرد والمجتمع من ناحية, والمجتمع ومنظومة الحكم من ناحية أخرى, وإذا وضعنا أهم النقاط التي يجب أخذها في الإعتبار عند تنظيم علاقة المجتمع بالدولة سنضع في مقدمتها ضرورة إحترام الحكومة للمواطن وجعله في بؤرة إهتمامها وإعطاؤه الشعور بأن رأيه ذو أهمية ويعتد به إلى جانب الإهتمام الدائم برفع مستوى معيشته, وقتها سيجد المواطن أنه لابد وأن يحترم المنظومة التي تحكمه بكامل مستوياتها بدءاً من شرطي المرور وحتى رئيس الجمهورية متضمناً الدستور والقوانين طالما ترسخ لديه الشعور بأنه ترس فاعل وقادر على التأثير والتغيير, تلك العلاقة التي تتميز بالإحترام المتبادل والتفهم والشفافية هي البداية الحقيقية لحل الأزمات ومواجهة الفوضى, إلى جانب توافر الحلول الإقتصادية والإجتماعية والسياسية من جانب المثقفين والعلمانيين, ولكي تكتمل منظومة التنوير لابد من البدء بإصلاح كافة مستويات التعليم المختلفة وفوراً جنباً إلى جنب مع بدء مشروع ثقافي على غرار القراءة للجميع ولكن أكثر تكثيفاً وأعمق أهدافاً على المدى الطويل, حيث انه سيضع اللبنه الأولى لمجتمع يملك درجه من الوعي تؤهله لحل مشاكله بعقلية علمية ومتحضرة إلى جانب منظومة حكم تقودها عقول تملك هم تنويري حقيقي تجاه شعبها.

الأحد، ٣ فبراير ٢٠٠٨

عندما يقتل الأب إبنه, ماذا يتبقى ؟



صدمني تصريح والد الشاب محمد حجازي الذي قال فيه أنه سيدعو إبنه للرجوع عن قراره بتغيير ديانته من الإسلام للمسيحية وإذا لم يتراجع سيقتله بيديه, فهل وصلت ضريبة حرية الرأي والفكر لدرجة فقدان الحياة ؟ بل ويقتل بسببها أب إبنه بدم بارد ودون أدنى إعتبار للصلة الدم بينهما ؟

معركة حرية الفكر والتنوير مع قوى الظلام والرجعية وصلت لحد لا يمكن من بعده الإرتكان للزمن حتى يتكفل وحده بفض النزاع بينهما, فالصراع الآن بدأ يصل للتصفية الجسدية والإقصاء بقبض الأرواح, وهي درجة لا ينبغي السكوت عليها ولا إعتبارها طبيعية أو غير موجودة, وأن تصل الأمور لدرجة قتل الأب لأبنه مع سكوت كامل يمكن إعتباره تواطىء من التيارات الإسلامية التي تدّعي الوسطية والعقلانية لهو حد الخطر الذي تثار عنده الهمم لوقفه عند حده وإلا فإن القادم بالغ السوء والسوداوية .....

ومن جديد تدور التساؤلات حول ماهية الإنتقال من دين أو معتقد لآخر وهل هو خيانة عند البعض وحرية عند البعض الآخر أم هو حكم عام بالنسبه لجميع الأديان ؟ وهذا التساؤل مشروع تماماً إذا تذكرنا الحفاوة التي إستقبل بها علماء المسلمون والعامة بالطبع خبر إسلام روجيه جارودي المفكر والفيلسوف الفرنسي المسيحي, وعلى الناحية الأخرى الإستهجان العميق والهجوم الفادح على شاب بسيط لم يتجاوز الثلاثينات من العمر لا هو بالمفكر ولا بالعالم ولا الفيلسوف لمجرد قيامه بنفس الخطوة وهي الإنتقال من الإسلام للمسيحية, وعندما إنتقد بعض المتطرفين المسيحيين خطوة روجيه جارودي تعالت الأصوات الإسلامية التي تقول أن ما فعله يندرج تحت بند حرية الفكر التي تشرّعها القوانين الفرنسية ولا ضرر ولا ضرار مما فعله, مع أن نفس تلك الأصوات هي التي تنادي الآن بضرورة إقامة حد الرده على محمد حجازي إذا لم يستجيب للإستتابة ثلاثة أيام, بل ورحبت بقرار والده بقتله بيديه إذا لم يتراجع عن قراره, وهو ما يرجع بنا مره أخرى لنقطة الصفر, لماذا الكيل بمكيالين ؟ ولماذا تعود من جديد محاكم تفتيش القرون الوسطى بعد ما وصلنا لإعلان ميثاق حقوق الإنسان ؟

الرغبة المحمومه لجمع المزيد من الأتباع عن طريق الدعوة والحفاظ عليهم عن طريق الترغيب والترهيب وحد الردة هي أصل كل تقويض لحرية الفكر والإعتقاد وهي أيضاً أسرع وسيلة لنشر الفتن الطائفية والكراهية والحقد بين الأطراف المختلفة عقائدياً, وعندما يصل التعصب بين الطرفين لمداه يفقد الأتباع العقل والمنطق ويستغل القادة جنون التعصب في تأجيج المشاعر الحماسية وإشعال القلوب بكلمات تقطر تحريض وعنف وتطرف, وفي النهاية يذهب الأتباع ضحايا قوادهم, ويصبح القواد نجوم مجتمع بارزون, كلمتهم مسموعه في وسائل الإعلام, وصورهم تغطي الجرائد, وتتابع أخبارهم الفضائيات, ونرى منهم من يظهر ليقول أن الأديان أصلها واحد ووجب على أتباعها الحب والتآلف ونبذ أي خلافات, ونرى آخر يعانق قائد من الجبهة الأخرى في إشارة للوئام والمودة التي تجمع الفريقين, وفي نفس توقيت عناقهم الودي نجد في الكشح كلا الطرفين في وئام من نوع آخر, وئام الأسلحة النارية والدم, وتتكرر المشاهد بطريقة مملة للمشاهدين والسامعين في العديسات والأسكندرية وغيرها, وتستمر المشاهد العبثية بين قادة يصرون على أن الأمور هادئة والحب يعم الطرفين من ناحية, وعندما يبتعدون قليلاً عن عدسات المصورين وميكروفونات المذيعيين يقولون للأتباع الغلابة لا تصدقون كل ما تسمعون, الجانب الآخر كافر وينبغي محاربته وإلا سينتصر علينا, وتدور دائرة العنف والطائفية لنهاية محتومه لا مخرج منها سوى بإيقاظ العقول الغافلة والإهتمام بالأمر الواقع والبعد عن التصريحات الوردية التي تضر ولا تفيد .....

التفكير بعقلانية ومنطق هو المطلوب في تلك اللحظه الخطيرة التي تواجه النسيج المصري الذي لطالما كان أقوى من أن يتفتت بأيدي غريبة قادمه من صحراء جرداء لا تعرف لغة غير البداوة والتعصب القبلي, والعقلانية والمنطق تحتم علينا أن ننظر للأمور بنظرة موضوعية محايدة بعيداً تماماً عن أي إنتماءات فكرية أو عقائدية حتى ننقذ ما يمكن إنقاذه, ومن هذا المنطلق نوجه لأنفسنا هذا السؤال, ماذا سيحدث لو إعتنق كل فرد ما يراه مناسب له من دين أو أيدولوجية معينة طالما لا يؤذي من خلالها مجتمعه أو نفسه ؟ ما الضرر الذي سينشأ من نشر حرية الفكر بين المواطنين دون قيد أو شرط سوى ألا يفرض هذا الفكر على غيره بقوة السلاح أو حتى بقوة الكلمة ؟ هل نطالب بحرية إنشاء الأحزاب وننسى أن نطالب بحرية الفكر الفردي ؟ ما الذي جنيناه من التعصب والتطرف سوى الإرهاب والعنف الطائفي والكراهية ؟ هل يرضى الله عن أتباعه عندما يقتل الأب إبنه ويذبح الأخ أخاه وتقتل الأم طفلها بإسمه وإسم الدين ؟ كلها أسئلة لابد من أخذها في الإعتبار حتى نصل لحلول وسطية تمنع ما نراه من بدايات لشرارة فتنة قد تأخذ الأخضر واليابس إذا لم نوقف مشعليها ونتخذ من العقل المعيار الأول للحكم ....