الثلاثاء، ٢٢ مارس ٢٠١١

كيف ننقذ الثورة قبل إجهاضها؟

بعد فترة غياب عن الكتابه لفترة ليست بالقصيرة بسبب الأحداث التي إنغمسنا فيها حتى أعناقنا طيلة الأسابيع الماضية أعود للقلم بعد طول إنتظار حتى تتضح الصورة بما يكفي للكتابه عنها برؤية موضوعية قدر الإمكان...


الجيش والثورة:


صغار الضباط من الطبقة المتوسطة فما أدنى كانوا مع الثورة قلباً وقالباً...أمنيتهم الوحيدة كانت حدوث إنقلاب داخل الجيش نفسه يُعيد الأمور لنصابها الصحيح ويلغي مراكز القوى فيه للأبد...لم يفقد أياً منهم أعصابه في الميدان وعلى مستوى الجمهورية ليطلق رصاصه بإتجاه متظاهر...جاءتهم الأوامر بالضرب حيناً وبالتفريق بالقوة حيناً ولم يأخذوها مأخذ جد...المعضلة الأساسية والعقبه الكبرى متمثله في كبار الضباط ممن يرفلون في رغد العيش الذي صنعه لهم مبارك ليأمن شرهم وليضمن ولائهم...هؤلاء الكبار هم من يحموه هو وعائلته ورموز حكمه القديمه...هم من رفضوا إعطاء الأوامر المُباشرة والصريحه بضرب المتظاهرين بالرصاص وقذفهم بالإف 16 وتسوية ميدان التحرير بهم...رفضهم لإعطاء الأوامر لم يكن حباً في الشعب بقدر ما كان خوفاً على مناصبهم ومراكزهم التي هُددت مباشرة من أوباما بأنهم سيفقدوها للأبد في حال إستخدام الأسلحه الثقيلة ضد المتظاهرين...قليلون من يعلمون أن الإف 16 التي حلقت فوق ميدان التحرير لساعه أو أكثر كانت آتية بغرض تسوية الميدان بمن فيه وإنهاء الثورة للأبد...لا يعلمون أن من أمر بعودتها هو أوباما بعد إتصال هاتفي من سامي عنان يبلغه في إن مبارك جن جنونه وسيقلب الطاولة على الجميع...هدد أوباما بشن ضربات جوية ضد نظام مبارك في حال إستخدامه للأسلحه الثقيلة ضدنا فإنتهت العملية...لكن المُحزن في الأمر أن أياً من قيادات الجيش لم ينقلب على مبارك بسبب تلك الحادثه...بل ظلوا متابعين لما يحدث من غرفة عمليات القيادة العليا للقوات المسلحه وكأنهم بإنتظار عرض الساحر الذي سينهي الثورة...تلك القيادات لم تتخذ خطوة واحده شجاعه مثل تقديم الإستقالة أو الإنقلاب على مبارك والإنحياز للثورة أو حتى مجرد رفض الأوامر بشكل علني بدلاً من إثارة فزع ورعب الثوار...فقط سامي عنان هو من حظى بالإحترام كونه حتى الآن الوحيد الذي إتخذ موقف مشرّف من بداية إحتكاك الجيش بالثورة


الجيش بعد تنحي مبارك صار حاكم فعلي لمصر...يملك ويحكم...يأمر ويرفض...ينجز فيما يخصه ويتقاعس فيما يخص المصلحه العامه...صارت الشرطة العسكرية بديلة عن أمن الدولة بالتعذيب والإختطاف والإحتجاز والمحاكمات العسكرية الهزلية...أطلقت القوى الدينية لزرع الفتنة بين أبناء الشعب المصري تماماً كما فعل أمن الدولة من قبل...شكّلوا لجنة دستورية إسلامية إخوانية ولم يلتفتوا لجموع الفقاء الدستوريين المدنيين...أقاموا إستفتاء سريع أطلقوا فيه الحرية الكامله لسيطرة الإخوان والسلفيين عليه دون تطبيق لقانون منع الدعاية وبتقاعس واضح عن تطبيق قانون آخر وهو منع إستخدام الدين في السياسة...لم يلتفتوا لإنتهاكات السلفيين والإخوان ضد شباب 6 إبريل وغيرهم ولا لشراء الأصوات وإستخدام المساجد في الدعاية يوم الجمعه الذي كان محظور في الدعاية للإستفتاء...والآن يتجهون بتعجل غير مبرر لإنتخابات مجلسي الشعب والشورى...غير مبرر دستورياً وقانونياً وسياسياً...لكنه مبرر فقط لدخول التيارات الدينية للبرلمان بأغلبية تضمن لهم إنتخاب الجمعية التأسيسية التي ستشكل الدستور...وهي الطامه الكبرى التي ستودي بالجميع للهلاك...لكن طالما أن الأمر في مصلحة الجيش فلا ضير كما سنرى


الجيش يلعب بالورقة السياسية الأهم التي ستضمن له عودة الحكم العسكري الديكتاتوري وربما عودة مبارك آخر ووطني آخر قريباً جداً...الجيش يريد تصدير الإسلاميين في مقدمة المشهد السياسي وجعلهم يستحوذون على غالبية المناصب السياسية العليا...بل ورسم السياسات المستقبلية لمصر ممثلة في الدستور الجديد والقوانين المكمله له...هذا التصدير سيتيح للعسكر عدة مكاسب..أهمها رفض المجتمع الدولي للديموقراطية المصرية الناشئه...وكذلك فزع المسيحيين والليبراليين ورجال الأعمال والمستثمرين الأجانب...وبالطبع ستهرول الأحزاب السياسية المدنية مفزعه للمجلس العسكري لإنقاذهم من جحافل الإسلاميين التي ستحول مصر لإيران أو أفغانستان جديدة تقضي عليهم للأبد...كل هذا الرعب والفزع الدولي والمحلي سيقابل ببرود عسكري يقول بكل وضوح...إشربوا نتائج الثورة والديموقراطية والحرية...ثم تعود ريما لعادتها السقيمة القديمة



الإسلاميين والثورة:


بكل تأكيد لم ينس فصيل سياسي واحد هروب محمد بديع مرشد الإخوان من المشاركة في يوم 25 يناير...وبكل تأكيد لم ينس فصيل سياسي واحد تأكيد السلفيين في أكثر من مناسبة أنهم ضد الخروج على الحاكم بأي وسيلة وطريقة وعزوف شيوخهم وأغلبية شبابهم عن المشاركة في بداية الثورة...ولكن...هل ينكر عاقل أنهم كما تخلوا عن الثورة في بدايتها أجهضوها ويستمرون في إجهاضها حتى الآن؟ بماذا نفسر تظاهراتهم أمام مجلس الوزراء للمطالبه بعودة كاميليا في ذروة الصراع مع الجيش وفلول أمن الدولة على حق التظاهر؟ بماذا نفسر إنحيازهم لتوقف التظاهرات ووصم المعتصمين بأقذر النعوت وتعبئة الرأي العام ضد إستمرار الثورة بداعي الإستقرار وهو نفس مبرر الحزب الوطني دائماً وأبداً؟ وإذا كنا نتكلم عن السلفيين وبصفتهم تحولوا 180 درجه بفعل توجيهات أمن الدولة قبل (عدم الخروج على الحاكم) وبعد (إثارة النعرة الطائفية الإسلامية) فلابد أن ننظر للإخوان بوصفهم أكثر التيارات السياسية على الساحه إنتهازية وأنانية...الإخوان يعلمون جيداً أن الجيش يصدرهم على أنهم التيار البديل للديكتاتورية العسكرية...ويعلمون أنهم مخلب قط أمام التيارات الشبابية الثورية الحقيقية لإجهاض ضغطهم المستمر لتلبية مطالب الثورة والشعب...ولا يوجد تفسير لآدائهم تلك الأدوار سوى صفقة عُقدت بينهم وبين الجيش يتم بمتقضاها منحهم إمتيازات قبل الإنقلاب القادم وبعده تضمن لهم تمثيلاً سياسياً شرعياً ومؤثراً لعقود قادمه...لا يهم المصلحه العامه...لا يهم دم الشهداء...لا يهم إجماع القوى الوطنية الثورية والحزبية والسياسية على رأي واحد...المهم في النهاية المكاسب الأنانية البراجامتية...وأمثلة الماضي تؤكد


الثوريين والثورة:


كنا ومازلنا نؤمن بأن ثورتنا لا زال أمامها الكثير لتحققه...المشوار طويل والثورة أُجهض أكثر من ثلثيها فعلياً بفعل الجيش وأمن الدولة والوطني والقوى الإسلامية...الشارع لا يريد التظاهر ولا الإعتصام...أقنعوهم بشيطانية أن السعي لتحقيق مطالب الثورة ضد الثورة وضد الشعب وضد الإستقرار وضد الإقتصاد...رجل الشارع العادي الآن يرى في ساندوتش الفول وكوب الشاي أهم طموحاته بعيداً عن فوضى السياسة ومشاكل الدستور وإنعدام الأمن...حتى عندما شارك في الإستفتاء إختار من يفكر بالنيابة عنه...خسرنا الميدان...خسرنا المليونيات...خسرنا تعاطف العامه...بمعنى آخر...خسرنا وسائل الضغط التي كانت الضمانه لإستمرار الثورة حتى تحقيق كافة مطالبها...تراجع الآداء الثوري والحزبي المدني لصالح العسكر والإسلاميين...ووضحت تماماً قواعد اللعبه الجديدة في إستفتاء شابه تواطىء واضح كما أسلفنا للخروج بتلك النتيجة بين الجيش والإسلاميين...والقادم سيكون على نفس المنوال....ما لم نتحرك نحو الخطوات الآتية:


1- إنضمام كل من شارك في الثورة وآمن بمبادئها فوراً للتيارات والأحزاب السياسية التي تدعم وجهة نظره وتحقق مطالبه ويرى فيها ثورته التي كاد أن يضحي بحياته لإنجاحها...ومن الضروري جداً التأني ودراسة الموقف تماماً قبل إتخاذ القرار بالإنضمام لفصيل سياسي معين منعاً للإحباط...والأكثر من ذلك...أن يكون الإنضمام لهذا الفصيل السياسي بغرض تحقيق أهداف سياسية وطنية ثورية وليس بغرض مكاسب وقتية مؤقته وإلا ستكون العواقب وخيمه على الوطن بأكمله.


2- سرعة بناء هياكل حزبية للحركات السياسية الشبابية المكونة لإئتلاف شباب الثورة والأخرى التي تشكلت بفعل الثورة...تلك الهياكل الحزبية بمقارها ولجانها وأعضائها وأنشطتها هي القادرة على إستعادة الروح الثورية من جديد وبث الحياة في أوصالها لتسود أخلاق التحرير ومدينته الفاضله بعد سرطنتها بفعل الإسلاميين وحلفائهم.


3- إستغلال اللجان الشعبية التي تكونت بفعل شباب الثورة للتغلغل في القرى والنجوع الريفية وأقاصي الصعيد...نشر التوعية السياسية والإقتصادية والإجتماعية والدينية هو السبيل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه


4- توحد وتضامن وتآلف كافة تلك القوى السياسية تحت مظلة واحده بهدف الضغط على المؤسسة الحاكمه أياً كانت لتحقيق مطالب الثورة...بمعنى أدق...تشكيل لوبي ثوري يضغط بكل أوراقه السياسية في إتجاه واحد وتحت هدف مشترك...والأهم...عزل كافة القوى الدينية التي إنحازت لمصالحها الخاصه على جثة الثورة والثوار نظراً لقدرتها على الإفلات فور الإتكاء عليها وبالتالي التسبب في ضياع مجهودات كثيرة...إذا إنعزلت تلك القوى سيكون أمامها طريقين لا ثالث لهما...إما التفكك والتشرذم والإنتهاء بفعل تجفيف منابعها من التحالفات السياسية التي كانت تضمن لها تواجد رسمي وسط القوى السياسية الرئيسية...وإما الخضوع تماماً للتيارات السياسية وإتجهاتها مع مراقبة آدائها وعزلها في حال الخروج عن المبادىء المتفق عليها


ما سبق بالتاكيد ليس كل ما يمكن عمله...لابد من تضامن كل من يهمه إستمرار الثورة وإنقاذها من براثن قوى الإجهاض...الأهم هو الإيمان المُطلق بقضيتنا والكفاح بعيداً عن الإحباط والتشاؤم والسوداوية...وأرجو أن تتذكروا دائماً أن بداية الثورة الإيرانية كانت علمانية ومدنية تماماً...وما حدث بعدها وأدى ما صارت إليه الآن هو تقاعس العلمانيين وإستخفافهم بمنافسيهم الإسلاميين ثم إحباطهم وإعتزالهم وتركهم الساحه تماماًكبديل عن الكفاح والتضامن وإكتساب الشعبية...أرجوكم تذكروا دائماً هذا المثل كما أفعل من وقت لآخر...وتذكروا معه أن الثورة أنتم من قاموا بها...ويأتي الآن من إنتظر نضوج الثمار ليأكلها وحده