الثلاثاء، ٢٤ مايو ٢٠١١

شهادة وبيان من ثائر مُحبط

كنا في شارع شهاب بحي المهندسين يوم 28 يناير الساعه التاسعه مساءاً عندما شاهدنا أرتال المدرعات والدبابات تخترق ميدان التحرير لتأمينه بعد إنسحاب الشرطة أمام الثوار على شاشات التليفزيونات, إنتابتنا فرحه عارمة, هاهو جيشنا العظيم حامي الحمى قد إستولى على الشارع من جهاز الشرطة الكريه لحمايتنا وحماية ثورتنا, هرولنا مسرعين لميدان التحرير للمشاركة في مراسم الترحيب بنزول الجيش وإستقباله إستقبال الفاتحين, وليتنا ما فعلنا!



أول مشهد رأيته كان عربة جيب تابعه للقوات المسلحه محترقة تماماً, بإستكمال التجول مذهولاً في الميدان رأيت المشهد الثاني, الشباب الثائرين متكومين فوق مدرعة, الجنود يصرخون بإستجداء أن لا ذنب لهم وأنهم فقط ينفذون الأوامر, أراهم عرايا إلا مما يستر عوراتهم, ملابسهم العسكرية وخوذاتهم موزعه على الشباب, أسأل عن أسباب ما يحدث لأفراد ومعدات جيشنا فتأتيني الإجابه الصادمه

(يا عم دول كانوا بيوصلوا ذخيرة للشرطة, رصاص مطاطي وحي وقنابل مسيلة للدموع, دول عالم عايزين الحرق)



أقف مذهولاً من هول الصدمه, أتلفت اليمين واليسار بحثاً عن منقذ ينقذنا ممن أتوا لإنقاذنا فلا أجد غيرنا, أرى عربة إسعاف تجري مسرعه وسط حشود الثوار فيستقبلوها بالحجارة, أسألهم عن السبب فتكون الإجابه أنها الطريقة الجديدة التي يستخدمها الجيش لتوصيل الذخيرة للشرطة, ينجحون في إيقاف السيارة ويكشفون عن صناديق الذخيرة في مشهد يذكرك بأسوأ عصور الإحتلال, يستمر العبث في الميدان ليتحول المشهد لكوميديا سوداء, شباب يستولون على مدرعتين وآخرون يستولون على سيارات مطافىء لنجدة المتحف المصري من حريق يكاد يأتي عليه بينما أفراد الجيش يتابعون دون إكتراث, يمر اليوم بعد إحباط ما بعده إحباط مع قليل من طلقات الخرطوش والقنابل المسيلة للدموع في حرب شوارع وسط, الجيش موجود لكن لازالت الشرطة تضرب تحت سمعه وبصره, فأين جيشنا العظيم حامي الثورة مما يحدث؟ كانت الإجابات مطمئنه حتى تستمر جسور الثقة بيننا وبينه, لكن ما حدث بعد يوم 28 يناير كان يؤكد ويبرز الإجابة الوحيدة الصحيحه, الجيش نزل ليحمي نفسه أولاً, ثم رجال النظام المنهار, ثم لتحويل الثورة لمجرد إنتفاضة بلا أنياب. رأينا يوم موقعة الجمل 2 فبراير كيف فتحت الدبابات الطريق للبلطجية من جهة ميدان عبد المنعم رياض ثم يقف أفرادها يتابعون المجزرة تحدث دون تدخل, والحجه أنه لم تتوجه لهم الأوامر بالتعامل! سمعنا تلك الحجه أكثر من مره فيما بعد, وتتالت مشاهد الخزي والعار بدءاً من إعتقال الثوار في التاسع من مارس وتعذيبهم في المتحف المصري بكل بشاعة وسبهم بذويهم وسب الثورة ومن قاموا بها, ورأينا معسكر س 28 وهو يتحول لسلخانة عسكرية تطحن فيه عظام الثوار وكرامتهم من أجل من قالوا أنهم يحمونهم, كشوف عذرية مهينة ومخزية للفتيات الثائرات, إجراءات عسكرية صارمه ضد الثوار وتهاون تجاه لصوص النظام سواء بالتأخير في القبض عليهم أو التأخير في محاكمتهم, مايكل نبيل يحاكم عن مقال كتبه ضد ممارسات الجيش فيحكم عليه بثلاث سنوات في إسبوعين ليس إلا, أما من قمنا بالثورة عليهم فينعمون بمحاكمات بطيئة توحي بإنعدام العداله, وتستمر الإعتقالات وشهادات التعذيب وإهانة الثورة والثوار يومي 1 و 9 إبريل, ينكشف الوجه الإعلامي الحقيقي للمجلس العسكري الذي لم يختلف كثيراً عن نظام مبارك, تستمر الأكاذيب والشائعات بغرض تجييش الشعب البسيط ضد الثورة بالحديث عن الإنهيار الإقتصادي والأمني, تنفجر الفتنة الطائفية بتواطىء واضح من قيادات المجلس العسكري, وتستمر الإفراجات عن إرهابيين بل والترحيب بهم بحفاوة, يتحدث المجلس العسكري عن أنه لم يعتقل ثائر واحد في بيان ثم يقول أنه سيحاكم كل المعتقلين من الثوار لديه محاكمات مدنية عادله في بيان آخر, ومن سقطه لأخرى ينكشف القناع وتنجلي الحقيقة ليستفيق الثائرون من جديد ويقرروا النزول للميدان لإنقاذ ثورتهم التي قامت بدماء أصدقائهم وجيرانهم وذويهم, تأتي الدعوات بالنزول يوم 27 مايو لنبدأ المشوار من جديد, مشوار إسترداد مصر من أيدي مجلس إعتقدنا أنه جاء لإنقاذنا من الثورة المضادة فإتضح لنا أنه هو نفسه الراعي الرسمي للثورة المضادة.



أعضاء المجلس العسكري الموقرين, نعلم أن فسادكم هو إمتداد طبيعي لفساد عم كل بر مصر بل وبحرها وجوها, نعلم أنكم كنتم من ضمن منظومة فاسدة لم يكن لكم يد فيها, نلومكم لأنكم لم تثوروا على الظلم والفساد, ولم تفكروا ولو للحظه في مصلحة وطنكم بعد الثورة, الآن وبعد تمام تجلي الحقائق أمام أعيننا نعدكم بمعاملة لن تفرقوها كثيراً عن معاملتنا لمبارك ونظامه خلال 18 يوماً من الثورة, نعدكم بأن نقدم أرواحنا مره أخرى فداءاً لمصر طالما أنها تحتاج لمزيد من دمائنا, أمامكم طريقين لا ثالث لهما, إما الإنحياز للثورة ومطالبها وأهدافها وتحقيقها دون بطء أو مواربه او مناورة, وإما فلتستعدوا للموجة الثانية التي هي بالتأكيد لن ترحمكم كما لم ترحم الذين من قبلكم.

السبت، ٧ مايو ٢٠١١

إعادة ترتيب الأوراق الأمريكية في الشرق الأوسط الجديد

تدور الأحداث في الشرق الأوسط بوتيرة متسارعة تجبر أطراف اللعبه على تصعيد وتيرتها هي الأخرى حتى تتمكن من اللحاق بها, الولايات المتحده الأمريكية على رأس تلك الطراف التي إستشعرت الخطر نتيجة الثورات العربية المتتالية وبالتالي بدأت بالفعل من تسريع وتيرة تحركاتها هي الأخرى وبشكل قد يبدو للبعض متعجل ويفتقد للحكمه, أغلب تلك الخطوات كان في شكل تصريحات أحياناً وصمت أبلغ من التصريح في أحيان أخرى, إلى أن جاء خبر إغتيال بن لادن لتبدأ الخطوات العملية في الشرق الأوسط الثوري الجديد.

إغتيال بن لادن لم يكن وليد الصدفه, قد يكون ذو تأثير إيجابي لحملة أوباما الإنتخابية, لكنه ليس الهدف الرئيسي, عندما قرأت خبر إعتقال زعيم تنظيم القاعده في الموصل العراقية وكذلك الأنباء المتتالية عن مزيد من إعتقالات عناصر القاعدة في باكستان بدأت الصورة تتكشف رويداً رويداً, إنتهى عصر إستخدام الإرهاب الإسلامي وبدأ عهد الصفقات مع الإسلام السياسي!

بعد خدمات عديدة قدمها تنظيم القاعدة بدءاً من التعاون الكامل (وربما النشأة نفسها) مع المخابرات الأمريكية في أفغانستان بهدف طرد الإحتلال السوفيتي نهاية بتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في الدول العربية وخاصة مصر والجزائر في تسعينات القرن الماضي بهدف تدعيم النظم الديكتاتورية التي تستمد قوتها من توفير الأمن مقابل الحرية (وقد رأينا كيفية تورط النظام المصري في تفجير كنيسة القديسين للهدف ذاته), والآن وبعد زوال بعض النظم الديكتاتورية وإقتراب البعض من الإنتهاء وتعهد البعض الآخر بإصلاحات ديموقراطية حقيقية حان وقت إعادة ترتيب قواعد اللعبه من جديد بأقل خسائر ممكنه, الآن تبدأ الولايات المتحدة في جمع عناصر القاعدة من السوق العالمية لإنتهاء فترة صلاحيتها وإنتفاء الغرض من وجودها لتستبدلها بحركات الإسلام السياسي المدجنه ذات الصوت العالي لزوم الشعبوية والفعل الصفري لزوم الصفقات والإنتهازية السياسية المعتاده, جماعات الإسلام وعلى رأسها الإخوان المسلمين لم تجروء يوماً على تقديم معارضة سياسية وطنية حقيقية أمام الأنظمه الديكتاتورية البائده, ولم تتخذ أي إجراءات تُذكر ضد القوى الدولية التي لطالما تحكمت بمقدرات الدول العربية, فهي كانت وستظل دائماً وأبداً تابعه وليست قائدة, إنتهازية وليست وطنية, رد فعل وليست فعل, فقط هي قادرة على الحشد والتعبئة للجماهير البسيطة المغلوبة على أمرها والتي يسهل خداعها بإسم الدين, وهو بالضبط ما تحتاجه الولايات المتحده الآن التي تستخدم الدين هي الأخرى للسيطرة على شعبها ذو الثقافة الضعيفة والذكاء السياسي الشبه منعدم.

في الوقت الحالي من المناسب جداً وجود أنظمه تتبع نفس السياسة الإنتهازية الأنانية التي إتبعتها الأنظمه الديكتاتورية السابقه مع مسحه دينية تضمن ولاء الشعوب بدلاً من العداء السابق للأنظمه البائده, كذلك مطلوب خطاب ديماجوجي شعبوي يطرب أسماع البسطاء دون تنفيذ أو جدية, وبهذا تحقق أمريكا كل ما ترغب فيه مع ضمان إنتهاء العداء الشعبي وتدجين الثورات الشعبية وتحويلها لأنظمة إسلامية مطيعه وفي نفس الوقت ليست بالتطرف الكافي الذي قد يدفعها لإستخدام العنف ضد مصالحها, ومن هنا بدأ الإتجاه لتصفية الحركات الإسلامية الإرهابية التي كانت مرتبطه بالأنظمه الديكتاتورية بأنظمه إسلامية معتدله نسبيا مضمونة الشعبية ويلقى خطابها مصداقية ولو مؤقتة لدى شعوبها, كل ما سبق سوف نرى دلائله قريباً من خلال سماع أخبار عن مزيد من الإغتيالات والإعتقالات لعناصر القاعدة وربما طالبان مع مغازلة سطحية لحركات الإسلام السياسي التي ستكون في شكل بعض من التصريحات مثل وعود بالتعاون إذا إلتزمت باللعبة الديموقراطية وضمان الحريات السياسية وهكذا.

لا تتعجبوا إذا وجدتم الولايات المتحدة تغض الطرف عن توغل حركات الإسلام السياسي في الأنظمة العربية الثورية الجديدة من ناحية, وتدعم وجودها بحجة أنها تصد التطرف الإسلامي وتلقى دعم شعبي طبقا لقواعد الديموقراطية من ناحية أخرى, فهاهي أمريكا تعيد ترتيب الأوراق من جديد لتحافظ على مصالحها, وتبقى الشعوب العربية هي الضحية مجدداً, ولكن هذه المره سيختلف زي الجلاد من البدلة العسكرية للجلباب الإسلامي, وهو التغيير الوحيد الذي سيحدث إذا لم تنتبه تلك الشعوب لخطر الحركات الإسلامية وتتصدى لها لتبرز القوى المدنية الثورية الوطنية التي قامت بالثورات قبل أن يقفز عليها المتأسلمون لتحقيق مصالحهم التي قد يتعاونون في سبيل تحقيقها مع الشيطان نفسه.


http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=258005