الاثنين، ٢٩ أكتوبر ٢٠٠٧

العنصرية تحكم مصر


لماذا تحولت مصر من البوتقة التي تنصهر فيها الجنسيات والأعراق والشعوب إلى دولة إقصائية عنصرية يرى شعبها أنه شعب ساميّ ذو دماء زرقاء ووجوه تحيطها هالة التقديس النورانية وأن بقية الشعوب متهمة بإتهامات مختلفة إلى أن يثبت العكس ؟

مآساة أخرى من تراجيديا الواقع المصري المعاصر ترويها وقائع يومية يخجل منها العقل الإنساني الحديث, فقد إستشرت روح الإقصاء ورفض الآخر والعنصرية كأنها المتنفس الوحيد الباقي بعد تزيلنا قائمة الأمم وتخلفنا عن ركب الحضارة ونخر السوس لأعمدة التنوير حتى تهاوت آخذة معها الرُقي والحداثة والتحضر, وبعد ما كانت القاهرة قِبلة المهاجرين ومنارة العلم وواحة العلماء أصبحت تتسم برفض الآخر وتحقيره وإقصاءه, وقد ظهرت تلك الصفات الجديدة في أبهى صورها خلال السنوات الأخيرة, خاصة بعد الهجرة الجماعية للأخوة العراقيين والسودانيين هرباً من ويلات الحرب وعذابات الفتن الدينية والسياسية, وإستقرت الجاليات العراقية في احياء معينة مثل حي السادس من أكتوبر والتجمع الخامس, ومع الإستقرار وتزايد معدلات النزوح والهجرة وتوافر رأس المال ورغبة المهاجرين الجدد في التغلب على كآبة الغربة إفتتحوا سلسلة مطاعم ومخابز ومحال تجارية متععدة الأغراض لتعويض إشتياقهم للوطن, ولكن هيهات, فقد تربص المصريين لإخوانهم الفارين من الموت وأهواله بشتى صنوف الرفض والإقصاء, وظهرت أقاويل من نوع "إنهم السبب في رفع أسعاد العقارات" أو "لماذا يفرضون علينا ثقافتهم من أطعمة أو لهجات ؟" أو "أبنائنا أولى بفرص العمل التي تتاح لهم", ونسوا أو تناسوا خمسة ملايين مصري إستضافتهم العراق الشقيق ووفر لهم فرص العمل المناسبة وبمرتبات أعانتهم على بناء مستقبلهم ووفرت لهم حياة كريمة في أوطانهم فيما بعد, ونسوا أيضاً معاملة الشعب العراقي بالمحبة والإخاء ودمجهم في الجسد العراقي بإختلاط الدماء والأنساب والتجنس, ورغم إختلافنا مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين إلا أننا لا نستطيع أن ننكر حمايته للمصريين بقانون أصدره يمنع التعرض لهم وحق الشكوى في أي مخفر شرطة عند إساءة معاملتهم بأي شكل, وعندما لجأ المواطن العراقي البسيط لوطنه الثاني مصر لم يجد سوى نكران الجميل وعبس الوجوه والإتهامات المرسلة, ولم يختلف الحال كثيراً بالنسبة للمواطن السوداني, فلاقى من العنصرية ضد بشرته مالم يلاقية أجداده من المستعمر الأجنبي وتجار العبيد الأمريكيين, وصار تجول السوداني في شوارع القاهرة بمثابة مسيرة عذاب يسوعية يتفنن فيها الشباب المصري بإذاقته كافة صنوف السخرية من بشرتة ولغته وعاداته وتقاليده, وأصبح السوداني مرادف لسوء السلوك وضحالة المكانة والإستعداء الغير مبرر, حتى تجارة الشنطة وبضائع الارصفة التي يتكسبون منها قوت يومهم صارت هدفاً للمضايقات ووسيلة قهر وتعذيب تضاف لقائمة المعاملة السيئة, وليس ببعيد ما حدث في ميدان مصطفى محمود لمجموعة اللاجئين السودانيين الذين إعترضوا وإعتصموا إحتجاجاً على المعاملة الإنسانية التي لاقوها من النظام والشعب المصري معاً, وإذا تناولنا بالتحليل أسباب تلك الظاهرة الجديدة على مجتمعنا ليس تجاه الآخر الخارجي, ولكن أيضاً للآخر الداخلي, سنجد أنها تنحصر في عدة أسباب أدت لتفشيها بتلك الصورة المخجلة لتاريخ وعراقة وسعة صدر مصر على مر آلاف السنين :

1 – شعور المواطن المصري بالمهانة الدائمة داخل دولتة عن طريق النظام الحكومي من شرطة وموظفين أو بسبب التقسيم الطبقي ذو التفاوت الرهيب الذي قلب المعايير وجعل السيطرة والقوة والإستحواذ على الفرص في يد فئة لا تتعدى ال 10% في مقابل أغلبية منسحقة تحت نير الفقر تعاني ويلات الإضطهاد والتفرقة وضياع الأحلام والإحباط واليأس والإكتئاب, أما خارج دولة فيعاني المصري من سوء المعاملة والعنصرية والإهمال والإستهانة سواء من جانب الشعب المستضيف إذا كان عربياً شقيقاً أو من سفاراته في دول العالم المختلفة, ولولا هوان المصري على حكومته ما عاملته شعوب الأرض وخاصة الخليجية منها هذه المعاملة الغير كريمة على الإطلاق, كل تلك العوامل أدت في النهاية لأن يعامل المصري الأجنبي في دولته بنفس القدر من الكراهية والإستعلاء الذي يعامل به داخلها وخارجها, كذلك وجدها فرصة سانحة للرفع من شأنه الذي تحقّر كثيراً من أبناء وطنه قبل أبناء الأوطان الأخرى.

2 – وجود الأجنبي في مصر فرصة لتعليق كافة مشاكل الشعب المصري وحكومته سواء إقتصادية أو إجتماعية على شماعة "إنها أخطاء الغير وليست أخطائنا", وتتجلى تلك الظاهرة بوضوح في أزمة العقارات الأخيرة, فبدلاً من توجية الإتهامات نحو الشركات التي إحتكرت الأسمنت أو صناعة الحديد التي تحتكرها شركة بعينها مما أدى إلى رفع سعر كلاً من المنتجين إرتفاعات متتالية ومتصاعدة أثقلت كاهل السوق العقاري وضاعفت من أسعار الشقق والعقارات إتجهت الإتهامات دون أي أدلة على اللاجئين العراقيين الذين يُتَهمون بأنهم السبب الرئيسي في تلك الإرتفاعات بقدرتهم على الشراء بأسعار أعلى من المشتري المصري, وينسى أصحاب الإتهامات المرسلة أن تركز الشراء كان في عدة أحياء قاهرية بعينها وليس على مستوى الجمهورية بأكملها, وهو ما قد يرفع الأسعار في تلك المناطق فقط وليس على السوق العقاري المصري بأكمله.

3 – حالة رفض الآخر الناتجة عن الجهل بأبسط أصول الديموقراطية والحرية المدنية وحقوق الإنسان, وهي نتيجة طبيعية لتعليم سيء وغياب ديموقراطي في الحياة السياسية وتطرف ديني يلغي الآخر وينتهز أي فرصة للإقصاء والتفرقة والتكفير في أحيان كثيرة, حالة رفض الآخر لا تقف عند حد الآخر الأجنبي, ولكنها تمتد للآخر الديني والمذهبي والطائفي, وهو ما حدث بالضبط مع الشيعة العراقيين والمسيحيين السودانيين, وهو أيضاً ما زاد من معاناتهم وتزايد معدلات كراهياتهم, وهو ما يذكّرني بصديق كان يعاني دوماً من مشكلة لا حل لها, فإلى جانب كونه مسيحي الديانة فهو شيوعي الإتجاه أيضاً, ودوماً كان يردد مقولة أنه مكروه على جميع الأصعدة سواء من الناحية الدينية أو السياسية, ولو تحلى المجتمع ببعض الصفات الديموقراطية الإنسانية من قبول للآخر والإعتراف به بدلاً من سياسة قتل المرتد وتدمير المعارضة وتخوين من يقول رأياً مخالفاً لما وصلنا لهذا الدرك العميق من الكراهية والبغض والفردية العقيمة.

الخميس، ١٨ أكتوبر ٢٠٠٧

اذكى نظام حكم على وجه الارض



دأب المصريين خلال ربع قرن مضى على محاولة الوصول لشكل معين لنظام الحكم الذى يسيطر على مقدرات حياتهم ويتحكم فى صغائر امورهم ودقائق مصائرهم, ودأب النظام المصرى الحاكم اكثر فى اخفاء معالمه وطمس ملامحه مستخدما طرق ووسائل ادت لاعتباره من اذكى نظم الحكم الشمولية الديكتاتورية على وجه الارض, وعن طريق تلك الوسائل سيطر نظام الحكم على المصريين واعطى صورة مشرقة لنفسه فى المجتمع الدولى وكمم افواه المسئولين وذوى الخبرة واعطى ظهره لكل شريف ونظيف وقادر على العطاء لبلده مفسحا الطريق للفشلة ومعدومى الكفاءة والمزورين والبلطجية واعتبارهم من خلال وسائل اعلامه الافضل والاكفأ والاقدر على القيادة والمسئولية.

وعلى مدى 26 سنة برع نظام الحكم فى استخدام وسائل وطرق شتى مكنته السيطرة على الشارع المصرى بامتياز, وصدّرت صورة ديموقراطية زائفة لاوروبا والولايات المتحدة الامريكية عن طريق واجهات تشبه واجهات الديكور السينمائية الكرتونية, وسنستعرض فيما يلى بعض تلك الديكورات والوسائل والطرق التى اُعتبر بفضلها نظام ذكى بارع فى فنون المراوغة والخداع والتزييف ...

1 – سياسة العصا والجزرة :

كيف تحيّد مسئول تحتاج سكوتة وفى نفس الوقت تتقى شرة حتى بعد خروجة من منصبة ؟

سياسة العصا والجزرة السياسة الامثل والانجع فى والتى ثبت نجاحها الساحق فى الاغراء بذهب المعز او التلويح بسيفه, وتنطبق تلك السياسة على رجال الحكم والحكومة من ناحية وعلى الادباء والمثقفين والعلماء والفنانين من ناحية اخرى, فكم رأينا من قيادات حكومية تدافع عن الباطل بالباطل, وتجمّل وجه النظام باسوأ المساحيق واردأها مفعولا, انها نفس السياسة التى نرى اّثارها على مسئول سكت دهرا ونطق كفرا, عندما قال"ينبغى ان يترك قدامى قيادات الحزب الوطنى اماكنهم لتجديد دماء الحزب." مع العلم ان قائل تلك العبارة هو السيد صفوت الشريف, ولا داعى للتعليق, وقيل ويقال وسيظل يقال لحين, ان كل مسئول فى الحكومة او الحزب لديه من السيئات والفساد ما يكفى لفضحه وتجريسه وتشويهه اذا ما فكر مجرد تفكير فى الخروج عن سياسات الجهة التى يتبعها, اما عن المثقفين المعاصرين, فيتفاخر وزير الثقافة ( فاروق حسنى ) بكونه نجح فى ضمهم لحظيرته الثقافية دون معارض يجرؤ على توجيه قلمه الادبى فى وجه وزارته, ولطالما سيطر وزير الاعلام السابق صفوت الشريف على الفنانين بشكل شبه مطلق لا خروج فيه عن النص, والوسيلة معروفة, لدينا العصا ولدينا الجزرة, فايهما تختار عزيزى ؟

2 – ديكور ديموقراطى متقن :

تخيل دولة بها برلمان قوى, واحزاب تعدت العشرون حزبا, ومجلس حقوق انسان, وصحافة حرة, وانتخابات رئاسية متعددة, وانتخابات مجلس شعب وشورى ومحليات نزيهة, دولة بها كل تلك المقومات الديموقراطية وتوصف فى النهاية بالديكتاتورية ؟ مستحيل ! ديكور ديموقراطى غاية فى الاتقان, يستحق التحية, برلمان قوى بسيطرة الحزب الوطنى عليه سيطرة كاملة ( ليس شبه كامله حتى ), احزاب لا تقوى على رفع صوتها فوق صوت امين شرطة فى مباحث امن الدولة, مجلس حقوق انسان يتغاضى عن التعذيب وبلطجة وزارة الداخلية ويهتم فقط بالبدلات والمكافاّت والتلميع الاعلامى, صحافة حرة على شرط, الا تقترب من الرئيس, وعائلته, وحزبه, ورجال حزبه, واصدقاء رجال حزبه, والرئيس الامريكى !, انتخابات رئاسية متعددة, بالطبع متعددة, لك الحق فى الاختيار بين الرئيس, او الرئيس, او الرئيس, او بابن الرئيس بعد عمر طويل, اما عن انتخابات مجلس الشعب والشورى والمحليات فحدث ولا حرج, ضحايا وبلطجية وارهاب ومنع انتخاب واضطهاد ورشاوى بالجملة, والاهم, لا لتدخل القوى الاجنبية ممثلة فى الرقابة الدولية على الانتخابات لان ذلك يعد تدخلا فى الشئون الداخلية المصرية, عكس تدخل الولايات المتحدة فى رسم السياسة الخارجية المصرية’ لان ذلك يعد تعاونا مع دولة صديقة لا اكثر, انها الخدعة الاكبر التى يمارسها باحتراف النظام المصرى العبقرى, صورة وردية للخارج, واسود من فحم الكوك فى الداخل ...

3 - استخدام الدين فى السياسة :

الخدعة الاقدم فى التاريخ, ان تحكم باسم الخالق عز وجل, ان تستخدم الكتب المقدسة فى تبرير افعالك الدنيئة التى يتبرأ منها اى دين, ان تخدّر الشعب كلما سنحت فرصة من بعيد لان ينشغل بالسياسة ويطالب بحقوقه المهضومة بامور دينية ما انزل الله بها من سلطان, ان تستدعى الشيوخ الاجلاء المسئولين عن الحياة الدينية فى مصر ليفتوا مثلا ب ( كاتم الشهادة اّثم قلبه ) او( طاعة الحاكم واجبة طالما شهد ان لا اله الا الله ), ولا يجروؤن باى حال من الاحوال على الافتاء بان تعذيب الانسان لاخيه اثم, او ان تزوير الشهادة حرام, او ان ظلم الحاكم مفسدة للدولة, او ان الرشوة والواسطة والفساد المالى والادارى اّفة تفسد القلوب والعقول وفعلها يدخل تحت اطار الجريمة, والانكى والاكثر مدعاة للسخرية ان تعلن الدولة للمجتمع الدولى انها دولة علمانية لا تخلط الدين بالسياسة وفى نفس الوقت تزايد على التيار الاسلامى فى تطرفهم واستخدامهم للفتاوى لصالحهم حتى فى قضية مثل الحجاب, عندما ثار اعضاء الحزب الوطنى على وزير الثقافة بسبب تصريحاته بشأن الحجاب بصورة اكبر واقوى واعلى صوتا من نواب الاخوان المعروف موقفهم مسبقا من تلك القضية, تظهر الحكومة دوما ممسكة فى احدى يديها بالمسبحة المطعمة بفضائل الدين وحكمته, فيما تمسك فى اليد الاخرى بمفاتيح خزائن الدولة الجاهزة دوما للسلب والنهب والهرب للخارج فور اتمام العملية.

4 – قضاء مستقل صوريا :

يتشدق اعلام النظام المصرى دوما بقضاءه المستقل عن السلطة التنفيذية بكل فخر واعتزاز, يطالب رجال القضاء انفسهم باستقلاله وبيان تبعيته للسلطة التنفيذية بالقوانين والافعال, فيرد النظام المصرى بكل عنجهية (القضاء المصرى قضاء مستقل تماما), يسجن ايمن نور بحكم سياسى, يسجن خمس روؤساء تحرير بحكم سياسى, يتحكم وزير العدل فى القضاة وناديهم, يهين رئيس مجلس الدولة بتشبيه رهافة روح الرجل عندما بكى تأثرا بزميله الذى رفض الوزير علاجه بانه يبكى مثل الفنانة الراحلة امينة رزق, يستمر اعارة رجال القضاء للعمل كمستشارين, يستمر الحصار المالى على ناديهم الموقر, ومع ذلك, القضاء المصرى مستقل, تلك التصريحات التى تبرز مدى استلالية القضاء هى نفسها التى تستفز القضاة اكثر ليعلنوا ان القضاء غير مستقل ويطالبوا باستقلاله, ويستمر النزال والسجال بين القضاء ووزارة العدل والنظام, وتستمر الصورة الوردية عن استقلال القضاء المصرى تصدّر للخارج, ودوما الخاسر الشعب المصرى المهضوم حقه.

5 – وسيلة الفقر والجهل تبررغاية البقاء :

نظرية المؤامرة الازلية تقول ان النظام يتعمد افقار وتجهيل الشعب حتى يظل مسيطرا عليه اطول فترة ممكنه, ويستشهد اصحاب تلك النظرية باصرار النظام على تثبيت نسبة الامية 52%, وزيادة معدل ارتفاع الاسعار عن الاجور, وتدهور التعليم لدرجة ان كثير من الطلاب الجامعيون لا يستطيعون كتابة جملة واحدة دون اخطاء "املائية" مخجلة, وتفشى فكرة كره العلم والثقافة والمساعدة على تحقيرهم بابرازهم بمظهر المجانين او المهاويس فى الاعلام الحكومى حتى ينفر منهم الشعب ويستمر على جهله معتقدا ان الجهل نعمه, تلك الاسباب لم تاتى من فراغ, هى نتاج عقود من التجهيل واحتقار العلم وازدراء المعرفة والسخرية من الثقافة والمثقفين والاعلاء من الفكر الدينى الخرافى الغيبى الذى لا يصلح اطلاقا لعصرنا الحالى الذى يفرض علينا مجاراته بالعلم والبحث العلمى الصارم وليس بكتب القدماء وفتاوى شرب بول الابل وارضاع الكبير, والاسوا ان الدولة قضت تماما على اى تواجد سياسى او ثقافى داخل المؤسسات التعليمية, وهو ما ادى لتغييب عقول الطلبة تماما وتوجههم لكل ما يشغل وقتهم دون معرفه حقيقية, اما الطامة الكبرى, فتتمثل فى تحويل التعليم من تجريب واستنباط واستنتاج وفحص ومشاهدة الى حفظ وصم وقىء معلومات وغش متفشى ورشاوى مقننة ودروس خصوصية تبتلع مليارات سنويا وبابطرة مليارديرات يعرفون من اين تؤكل كتف الامتحانات ومن اين تؤكل جيوب اولياء الامور, تلك الآفة التى انتشرت وبضراوة فى المؤسسة التعليمية قضت تماما على البحث العلمى وانهت قدرة الطالب على التخيل واعمال العقل واعلت من شأن الاستسهال وجمود الفكر والتدنى بالوعى لدرجة الانحطاط, وهو المطلوب كما يرى اصحاب نظرية المؤامرة, فكلما توقف الخيل وتدنى الوعى, كلما زادت السيطرة وغابت المطالبة بالحقوق وانتشر الخنوع وتفشى النفاق, والاسوأ انه باهمال التعليم وتعمد تجاهل المتفوقين, بل وعقابهم على تفوقهم كما حدث مع عبد الحميد شتا, الشاب المتفوق الحاصل على المركز الاول على خريجى دفعته من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذى انتحر لان وزارة الخارجية رفضت تعيينه نظرا لسوء حالته الاجتماعية, وهو ما يعود بنا لنقطة الفقر مره اخرى, فالاهالى يعتقدون انهم اذا ساعدوا ابنائهم على التفوق فان هذا سيؤدى بالضرورة لتفوقهم العملى, لكن الذى يحدث العكس تماما, فيضيع امل الاسرة, وينضم الشاب لطابور العاطلين مع زملائه الغير متفوقين وانصاف المتعلمين, وتزداد الاسرة فقرا, ويزداد الاحباط والياس والمعاناة, فتنشغل الاسر بمصائبها ويتركون اصل المصائب بلا حساب ولا عقاب, اذا كان معك صندوق به كتاكيت واردت اطلاقها, فلن تتمكن من تجميعها مرة اخرى, اما اذا رججت الصندوق جيدا ثم اطلقتها, ستجدهم دائخين مترنحين ويسهل السيطرة عليهم, نصيحة قدمها الاب للابن.

6 – تقديس رموز الحزب الحاكم :

لم تستخدم دولة حديثة مفهوم خلط النظام بالدولة كما استخدمته مصر, هنا الدولة الوحيدة التى اذا اسأت فيها لشخصية حزبية او حكومية ايا كانت تُتهم انك تسىء لسمعة مصر, دولة تختصر تاريخها وعراقتها في شخصيات يتضح بعد حين فسادها وديكتاتوريتها وسواد تاريخها, فإذا رفعت دعوى على وزير ما بأنه السبب في سرطنة إنتاجنا الزراعي يتم إتهامك بالطعن في شرف مصر ويُمنح هذا الوزير وسام من رئيس الجمهورية تقديراً لجهوده وعناداً في ضحاياه ومن كشفوا جرائمه, وإذا أوضحت التقارير والمستندات فساد وزير إسكان سابق بوضوح وبلا مواربة, يتم تكريمه بل وحبس الصحفيين الذين عانوا الامرين في سبيل كشف فساده والحفاظ على أموال الدولة وممتلكات الشعب, وهي رسالة أدت مفعولها على أكمل وجه, وصار نقد الوزراء و(رموز الحكم) كالخوض في في حديقة أشواك غير مأمون عواقب إقتحامها.

7 – الشعارات الزائفة هي الحل :

كم مرة سمعنا العبارة الخالدة (أزهى عصور الديموقراطية) من خالد الذكر (مع الإعتذار للزعيم عبد الناصر) صفوت الشريف ؟ متى آخر مرة صدمت طبلة أذنك عبارة (لم يقصف في عهده قلم ولم تغلق في حكمه جريدة) ؟ كيف وجدت طريقة للهرب من العبارة المبتذلة (إهتمامنا الأول والأخير بمحدودي الدخل) ؟ هل بحثت يوماً عن (التنمية والرخاء والرفاهية قادمون بعد الطفرة الإقتصادية الهائلة في الفترة الأخيرة) ووجدتهم ؟ إنها حبوب المسكنات التي بدونها يغلي البسطاء ويثورون لو لم تطمئنهم بها الدولة من وقت لآخر, ورغم أن المواطن المصري البسيط يعلم تمام العلم أن من يقولها نفسه لا يصدقها, فهو يطمئن نفسه في النهاية أن الحكومة (بالتأكيد) تعرف أفضل منه ويهمها في النهاية مصلحته وهم أعلم بشئون حكمهم, تلك الشعارات بالتحديد تعد علامة بارزة في نظام الحكم المباركي, يستعملها الحاشية وأعمدة النظام من وقت لآخر رداً على من يحاولون تصحيح الأوضاع وفضح الممارسات الديكتاتورية, وهم يستخدمونها على طريقة رداء السلطان الذي لا يراه أحد, وعندما يبرز الطفل الصغير الذي يقول بكل شجاعة أن السلطان عاري تماما, يُتهم بأنه أعمى العين والقلب ولا يرى بهاء وعظمة الزى السلطاني الفريد.

حزب الإخوان–كيف تتوازن سلطات الدولة المختلفة مع لجنة ظل الله على الارض ؟


كثيرون هم من إعتقدوا أن الأخوان تطوروا فكرياً وتقدموا تنظيمياً وتهيئوا للحياة المدنية الديموقراطية بكل ما تعنيها من معانٍ سامية وبكل ما تحملها من مسئوليات وطنية وتقبل للآخر وإلغاء كامل للدوجما السياسية, ولكن هيهات, فقد أظهر البرنامج الحزبي للأخوان نوع جديد من الديموقراطية لم نشهده من قبل, ديموقراطية تعتمد بشكل شبه كامل على مجلس فقهاء ديني منتخب بعناية من قبل الهيئة الدينية نفسها ! له الحق في مراجعة السلطة التشريعية في كافة القوانين التي تناقشها لتحديد ما إذا كانت ملائمة للشريعة الإسلامية أم لا ؟ بل وله الحق أيضاً في مراجعة القرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية والتي تكون لها قوة القانون في حال تعطل السلطة التشريعية, ولا يكتفي الإخوان المسلمون بتلك الديموقراطية الدينية الجديدة, بل ويضعون علماء التخصصات الدنيوية (هكذا أسموهم) في مكانة مستشارين ليس أكثر للهيئة الدينية الحاكمة, وهو بتلك الملحوظة يضع كل أدوات العلم بعد الرأي الديني الذي يأخذ المكانة الأعلى فى الحكومة الأخوانية الديموقراطية المدنية !

"تطبق مرجعية الشريعة الإسلا مية بالرؤية التي تتوافق عليها الأمة من خلال الأغلبية
البرلمانية في السلطة التشريعية المنتخبة انتخابًا حرًا بنزاهة وشفافية حقيقية دون تدليس ولا
تزوير ولا إكراه بالتدخل الأمني المباشر أو المستتر ، والتي تتم تحت رقابة المؤسسات المدنية
داخلية وخارجية وبعيدًا عن هيمنة السلطة التنفيذية . ويجب على السلطة التشريعية أن تطلب
رأي هيئة من كبار علماء الدين في الأمة على أن تكون منتخبة أيضًا انتخابًا حرًا ومباشرًا من
علماء الدين ومستقلة استقلالا تامًا وحقيقيًا عن السلطة التنفيذية في كل شئونها الفنية والمالية
والإدارية، وي عاونها لجان ومستشارين من ذوي الخبرة وأهل العلم الأكفاء في سائر
التخصصات العلمية الدنيوية الموثوق بحيدتهم وأمانتهم، ويسري ذلك على رئيس الجمهورية
عند إصداره قرارات بقوة القانون في غيبة السلطة التشريعية ورأي هذه الهيئة يمثل الرأي
الراجح المتفق مع المسلحة ال عامة في الظروف المحبطة بالموضوع، ويكون للسلطة التشريعية في غير الأحكام الشرعية القطعية المستندة إلى نصوص قطعية الثبوت والدلالة القرار النهائي بالتصويت بالأغلبية المطلقة على رأي الهيئة، ولها أن تراجع الهيئة الدينية بإبداء وجهة نظرها فيما تراه أقرب إلى تحقيق المصلحة العامة، قبل قرارها النهائي ويتم، بقانون، تحديد مواصفات علماء الدين الذين يحق لهم انتخاب هيئة كبار العلماء والشروط التي يجب أن تتوافر في أعضاء الهيئة) ص 10) ."

لم يكتفي الإخوان بهيئة دينية عليا حاكمة, وإنما اكملوا فصول الدولة الدينية الصِرفة بجعل المصدر الرئيسي للتشريع هو الشريعة الإسلامية, وهو ما يعطي الهيئة الدينية الحاكمة الحق في تغيير أي مادة يرون أنها لا تتفق مع الشريعة الإسلامية بحكم كونها مخالفة صريحة للدستور, وهو ما يعود بنا للنقطة تحت الصفر, وقد تتغير الحياة القانونية ومن ثمَ السياسية واجتماعية تماماً بناءاً على إستخدام علماء الهيئة ذلك الحق بلا رقيب ولا حسيب !

"إن النص في المادة الثانية من الدستور على أن دين الدولة الإسلام وأن الشريعة الإسلامية
هي المصدر الأساسي للتشريع ، لا يعني سوى التأكيد على مرجعية الشريعة الإسلامية إما
نصًا أو دلالة أو اجتهادًا وأن المخاطب بها هو السلطة التشريعية ورئيس الدولة في كل ما
يصدر عنه من قوانين أو قرارات أو سياسات داخلية وخارجية بحكم شمول وتكامل وأحكام
الشريعة الإسلامية وأن مقصدها العام الأساسي هو تحقيق المصالح المثلى للعباد في المعاش
والمعاد. ولكل ذي مصلحة – أيًا ما كانت – الطعن أمام المحكمة الدستورية على أي من هذه
القوانين والقرارات والسياسات بمخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية المتفق عليها من جمهور
الفقهاء المعاصرين المعتد بآرائهم (ص 10)."

تنتبه الجماعة لمأزق وجود الهيئة الدينية الحاكمة وسلطتها الانهائية, فتقوم بتجميل بعض جوانب البرنامج من عينة :

لحوار هو السبيل لتحقيق الوفاق الوطنى والثقة بين أبناء الوطن، وتحقيق التوافق أو
الإجماع ركيزة أساسية للشرعية الدستورية للنظام السياسي (ص11(."

وهي محاولة ميئوس منها لدعم الديكور الديموقراطي الذي تحاول الجماعة الظهور به أمام الرأي العام المصري, فكيف يكون الحوار هو السبيل في حين أن من يحاورني يدّعي أنه يملك الحقيقة المطلقة ويتمسك بنصوص لا مجال للجدل ولا النقاش بشأنها ؟ إنها الصفة الملازمة للدولة الدينية العتيدة, انهيار الحوار وسيادة المطلق وإستبداد الحكم, هل يستطيع أن يقوم حزب يعارض الإرادة الآلهية التي يمثلها حزب الاخوان ؟ من يستطيع أن يعدّل في الشريعة الإسلامية أو يلغي المادة الثانية تماماً ؟ أين الرأي المخالف لرأي من يمثل الكلمة الآلهية ؟ ماذا لو نجح حزب يساري أو شيوعي أو ليبرالي في الإنتخابات ونجح في إزاحة الحزب الناطق بإسم السماء, هل ستدعه القوى الثيوقراطية يحكم بغير شرع الله ؟

ومن المعروف أن من أبسط دعائم الديموقراطية الحديثة الفصل بين السلطات, وبما أن الإخوان يحاولون بكل السُبل تجميل برنامجهم الديني ببعض الرتوش الليبرالية, فقد انتبهوا لوضع تلك الجزئية التى تقول :

"استقلال وتوازن سلطات الدولة وتكامل مؤسساتها مع مؤسسات المجتمع المدنى، يمثل
السياسة الرئيسية التى تحقق استقرار الدولة".

كيف تتوازن سلطات الدولة المختلفة في وجود سلطة فوقية مانحة مانعة, بإمكانها تعطيل القوانين وشل أي حراك سياسي قانوني قد ينشأ من تفاعل السلطات الثلاثة المختلفة ؟ يدّعي واضع البرنامج الإخواني المجهول أن بإمكانه جمع التضاد وطرح قضايا لا يكن التوفيق بينها وضرب اكثر من عصفور بحجر وقسمة نظام الحكم لنصفين كالماء والزيت !

معضلة الإخوان الحقيقية أنهم يريدون تصدير عدة صور للمجتمع المصري والدولي لا تتوافق مع بعضها البعض, فهم الجماعة الديموقراطية المدنية التي تؤمن بحرية الرأي والتعبير وتتقبل الآخر وتحتوية ولا ترضى بغير سيادة القانون والدستور بديلاً, وفي نفس الوقت, هي الجماعة التي تتولى حماية الدين الإسلامي ولا تتنازل عن سيادة المقدس ولاترضى بولاية المرأة وغير المسلم وترى أن رأي فقهاء وعلماء الدين هو الأرجح والأعلم وتخلط الديموقراطية بالشورى رغم الفارق الضخم بينهما, ومع أن كثير من الأصوات الأزهرية والأخوانية ترى أن الحكم بالديموقراطية هو تقليد للغرب مرفوض وتخلي عن الهوية العربية الإسلامية غير مقبول بالمرة, إلا أن الجماعة ترى أن الديموقراطية هي نظام الحكم الأمثل من الناحية المدنية وفي نفس الوقت الشورى هي نظام الحكم الآلهي الواجب إتباعه في النواحي التشريعية والقانونية ! وبالطبع النتيجة معروفة, لن يرضى السلفيين والمتشددين عن الشورى بديلاً ولن يرضى المجتمع الدولي والمثقفين والسياسيين المصريين عن الديموقراطية المدنية نظام حكم آخر يحافظ على الحريات ويحترم الآخر ولا يتكلم بإسم الله.

" دولة تقوم على مبدأ المواطنة ...
مصر دولة لكل المواطنين الذين يتمتعون بجنسيتها وجميع المواطنين يتمتعون بحقوق
وواجبات متساوية، يكفلها القانون وفق مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص.
ونعتبر المواطنة هي القاعدة التى تنطلق عنها المطالبة بالديمقراطية، ليس بغرض تداول
السلطة فحسب، بل بغرض ممارسة الديمقراطية، المتجاهل لمبدأ الأغلبية (ص12("

كيف تستوي المواطنة مع التمييز الديني ؟ كيف تستوي المساواة بين مختلف طوائف الشعب مع لجنة دينية إسلامية عليا تتولى شئون الحكم ؟ أين المواطنة مع عدم إمكانية تولي المرأة أو أى مواطن لا يدين بالإسلام منصب رئيس الدولة ؟ السبب الرئيسي لعدم تولي رئيس غير مسلم الحكم أنه لن يستطيع أن يحكم بشرع الإسلام كونه غير مسلم, ولكن السؤال هنا, لماذا من الاساس الحكم بالدين إذا كانت الدولة ليست مسلمة 100% ؟ وإذا حكمنا بالدين فقط, أين هي تلك الدولة المدنية الديموقراطية التي تؤمن بإحتواء الآخر ولا ترفضه في حين أنها تحكم مواطنيها بشريعة دين لا يدينون به ؟

"إن عدم تحديد شكل معين للشورى مع القواعد الإسلامية المقررة لتحقيق مصلحة العباد والبلاد يوجب علينا أن نأخذ بأحسن ما وصلت إليه المجتمعات الإنسانية في ممارستها الديمقراطية فى عصرنا الراهن من أشكال وقواعد وطرق إجرائية وفنية لتنظيم استخلاص الإجماع وتحسين ممارسة السلطة وضمان تداولها سلميًا وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية فيها وتفعيل المراقبة عليها )(ص14("

إذاً نحن متفقين على أنه لا يمكن تشكيل نظام حكم كامل بالشورى فقط ويجوز الأخذ من نظم الحكم الديموقراطية ! فإذا لم نستطع تطبيق نظام حكم ديني كامل في عصرنا الحالي, فكيف نُصر على إستخدام ما نريده من نظام الحكم الإسلامي ونأخذ الباقي من نظم الحكم التي يعتبرها متشددي الجماعة والأزهر نظم كافرة وضعية لا ترقى للنظم الآلهية ؟ ما يحدث هو أن الجماعة (ترقّع) نظام حكم بالتفصيل على مزاجها الشخصي, ترضي به المتشددين والمسلمين البسطاء, وفي نفس الوقت تكسب ود الغرب والسياسيين والمثقفين المصريين, والترقيع بتلك الطريقة سيؤدي في النهاية للتخبط والفوضى إلى أن نصل لسيادة احدهما على الآخر, وفي تلك الحالة تحديداً سيسود التشدد على التسامح, والتمييز على المساواة, والتفرقة على المواطنة, وظل الله على الارض على مجلس الشعب, وهو ما لا نرضاه لمصر ولا لشعبها.

فهل حان الوقت لمواجهة من يريدونها فتنة طائفية ويتمنون العودة لديكتاتورية الحكم الديني ؟