الاثنين، ٣١ مارس ٢٠٠٨

دور التنوير في حل أزمات المجتمع المصري


ظواهر الفوضى التي يعيشها المجتمع المصري الآن متمثله في الغلاء وأزمة الخبز والفوضى المرورية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا بحاجه لمشروع علماني تنويري عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه, فالعلاقة بين تفاقم أزمات مجتمع ما وإنخفاض درجة الوعي الجمعي لأفراده علاقة عكسية (كلما تفاقمت الأزمات كلما دل ذلك على إنخفاض الوعي الجمعي) وتلك العلاقة العكسية تفرض إحداث توازن بينهما وإلا ستصل الأمور لطريق مسدود نتيجته الوحيدة فوضى هدامه تأتي على الأخضر واليابس, وإذا نظرنا بعين فاحصة موضوعية للطرفين محور الأزمات (وأعني بهما الحكومة والشعب) سنجد أن الجانب الحكومي ينقصه التعامل بعقلية علمية تقدم الحلول بطرق تنظيمية وتخطيط مدروس وفي نفس الوقت لابد وأن يتجنب البيروقراطية والروتين والحلول العشوائية المسكنه التي قد تفاقم الأزمات بدلاً من إنهائها, ومن ناحية أخرى ينقص الجانب الشعبي تطبيق القوانين والتفكير بعقلية واعية تحقق توازن بين الشراء والإستهلاك وتتعامل بهدوء مع الأزمات دون عشوائية أو إنفعالات زائدة فوضوية.

المشكلة الحقيقية التي تواجه الجانبين هي غياب التفكير العلمي والمنهجية في التعامل مع الأزمات, وهي نفس المشاكل تقريباً التي واجهت أوروبا في عصر ما قبل النهضة حين ترافقت العقلية الإستبدادية في السياسة (الإقطاع والكنيسة) مع إنتشار الجهل والخرافة بين أفراد الشعوب (إنخفاض الوعي الجمعي), وقتها ظهر الفلاسفة التنويريين والساسة العلمانيين أمثال فولتير وديكارت وجان جاك روسو ليقودوا أوروبا بأكملها للتنوير والعلمانية والتحضر ثم الإنطلاق في سماء الحرية والديموقراطية والإكتشافات العلمية التي غيرت وجه التاريخ, ترادف التنوير والعلمانية مع التقدم والإزدهار هو ما يدفعنا الآن للمطالبة بسرعة بلورة مشروع قومي يضع المثقفين التنويريين والساسة العلمانيين في مقدمة راسمي سياسات الدولة المختلفة ووضع قواعد وأسس جديدة تنظم العلاقة بين الفرد والمجتمع من ناحية, والمجتمع ومنظومة الحكم من ناحية أخرى, وإذا وضعنا أهم النقاط التي يجب أخذها في الإعتبار عند تنظيم علاقة المجتمع بالدولة سنضع في مقدمتها ضرورة إحترام الحكومة للمواطن وجعله في بؤرة إهتمامها وإعطاؤه الشعور بأن رأيه ذو أهمية ويعتد به إلى جانب الإهتمام الدائم برفع مستوى معيشته, وقتها سيجد المواطن أنه لابد وأن يحترم المنظومة التي تحكمه بكامل مستوياتها بدءاً من شرطي المرور وحتى رئيس الجمهورية متضمناً الدستور والقوانين طالما ترسخ لديه الشعور بأنه ترس فاعل وقادر على التأثير والتغيير, تلك العلاقة التي تتميز بالإحترام المتبادل والتفهم والشفافية هي البداية الحقيقية لحل الأزمات ومواجهة الفوضى, إلى جانب توافر الحلول الإقتصادية والإجتماعية والسياسية من جانب المثقفين والعلمانيين, ولكي تكتمل منظومة التنوير لابد من البدء بإصلاح كافة مستويات التعليم المختلفة وفوراً جنباً إلى جنب مع بدء مشروع ثقافي على غرار القراءة للجميع ولكن أكثر تكثيفاً وأعمق أهدافاً على المدى الطويل, حيث انه سيضع اللبنه الأولى لمجتمع يملك درجه من الوعي تؤهله لحل مشاكله بعقلية علمية ومتحضرة إلى جانب منظومة حكم تقودها عقول تملك هم تنويري حقيقي تجاه شعبها.