الخميس، ١٩ مارس ٢٠٠٩

معضلة قبول الآخر بين العلمانية والأصولية الدينية

الملون باللون الأخضر هي الدول العلمانية


لكي تكون علماني حقيقي لابد أولاً أ تعترف بوجود الآخر وحقه في الحياة وفي التعبير عن أفكاره بحرية كامله, لكن على هذا الآخر من البداية أن يعترف بك حتى يمنحك فرصة أن تعترف به, لكن الآخر من حولنا يأبى أن يعترف بوجودنا, ويحرّض على إقصائنا ومحاصرتنا بل وأحياناً لقتالنا تحت راية الجهاد ضد الكفرة, فهل نصل لطريق مسدود معه أم نمارس علمانيتنا وليبراليتنا في أن نحتويه ونحاوره ونتفاوض معه؟

مره أخرى تظهر على السطح أمور قد تكون منافية للعلمانية والليبرالية التي ندعو إليها ونحاول ممارستها على أرض الواقع, من المفترض تجنب إستخدام العنف واللجوء للوسائل الشرعية والدستورية والقانونية والسلمية, كما انه من المفترض عدم إجبار الآخر على الإقتناع بأفكارنا, وفي نفس الوقت يمارس الآخر كل ما سبق بأريحية تامه مستنداً على تعاليم دينية دوجمائية قد تستخدم لأغراض عديدة حسب المواقف التي يتعرض لها, وقد رأينا في مقال سابق عن نقد المراجعات الجهادية للدكتور فضل إمام كيف أنه إقتبس من إبن تيمية شيخ الإسلام أن يستخدموا آيات التسامح في أوقات الضعف وآيات القتال في أوقات التمكين والقوة, وهو ما يستدعي للأذهان العمليات الإرهابية التي حدثت في تسعينات القرن الماضي ومازالت توابعها مستمرة للآن رغم ظهور المراجعات الجهادية للوجود والتي لم يكن لها من ظهور إلا لأن الجماعات الإسلامية الجهادية الآن في أضعف حالاتها....

الآخر يستغل كل الأدوات التي تقع تحت يديه ليحاربنا ويقصينا ويزيحنا من طريقه, ويقدم معلومات مغلوطه عن العلمانية والليبرالية للبسطاء والغير متعلمين وأنصاف المتعلمين وهم يشكلون غالبية الشعب المصري حتى تزداد الهوة بيننا وبينهم ونفقد أي تعاطف شعبي قد يساعدنا على كسب قاعدة شعبية مريحة تكون عنوان لشرعية قانونية قادمه, والدولة من جهتها تقف مكتوفة الأيدي لا تستطيع فعل شيء, فهي من ناحية تمارس إسلوب ليبرالي شبه علماني فيما يخص الإقتصاد والسياسة, وعلى الناحية الأخرى تستغل المؤسسات الدينية وجهل وتغييب الشعب للسيطرة عليه بشكل مريح وسلس يضمن منع أي مفاجآت تهز عرش السلطة القائمه الآن, ورأينا كيف تحارب الدولة العلمانيين الحقيقيين والتنويريين وكل من يخرج عن سياق القطيع ويحاول تنبيه الشعب لما في مصلحته ولتنويره, إذاً ما العمل؟

إستخدام القوة مرفوض بالطبع, الإتكاء على السياسيين والدولة سراب لا أمل منه, التفاوض مع الآخر مرفوض من الآخر نفسه الذي لن يفاوض على ثوابت دينية مُطالب أن يطبقها وإلا سيعتبر خارج عن المله, الشعب أغلبه مغيب ولا يعرف عن العلمانية والليبرالية والشيوعية سوى أنها كفر وخروج عن شرع الله, حتى إتحاد قوى العلمانيين أصبح من قبيل الخيال, هم يمارسون فيما بينهم الإقصاء على مستوى أقل حين يرفض الرأسماليين التحالف مع الشيوعيين واليساريين ويرون أنهم لا يفرقون كثيراً عن الإسلاميين! ويا للسخرية!!

الحل من وجهة نظري قد يكون مبالغ فيه, وقد يرفضه الكثيرون كما رفضوا من قبل فكرة ان ندعهم يخلطون الدين بالسياسة حتى يرى من لا يعرف الأضرار الناشئة عن هذا الخلط, لكني مره أخرى سأقول الحل الذي أراه ولنتناقش جميعا......

الحل هو ان نتطرف في تطبيق العلمانية والليبرالية, وأن نستخدم نفس أساليبهم, وأن لا نظهر بمظهر من يريد التفاوض, وأن نتمسك بثوابتنا الدستورية وهي الآتي:

1-دولة المدنية العلمانية الحديثة.
2-فصل الدين عن السياسة نهائياً وفي كافة المجالات.
3-إستقلال المؤسسات الدينية عن الدولة.
4-حرية الرأي والتعبير والفكر والمعتقد.
5-عدم السماح بقيام أحزاب على أسس دينية أو قومية أو عنصرية.
6-إنهاء أبدي لأي جماعات دينية مسلحة تنتهج العنف والتطرف.
7-تطوير الخطاب الديني وتنقيحه من أي دعوات لإلغاء الآخر وتحقيره وقتله.

كل ما سبق سيقود في النهاية لأرضية حوار مشتركة قائمه على التفاوض من أجل حلول وسط ترضي الطرفين, أما او بدأنا التفاوض من اننا معتدلين وهم متطرفين فلن يتحرك المؤشر نحو الإعتدال الذي يمثلنا, ولكنه سيتحرك بكل بساطة ناحية التطرف الذي يمثلهم, فقط لأننا بدأنا التفاوض من المنتصف, العلمانية والليبرالية لن تقوم لها قائمه طالما ظل الوضع بين طرفين أحدهم معتدل جداً والآخر متطرف جداً, لابد من جانبين متطرفين متساويين في التطرف حتى ينتهي مؤشر التفاوض عند نقطة المنتصف التي تحقق المكاسب للجميع.....

النقطة الأساسية هنا, نحن لدينا ثوابت لن نستطيع التنازل عنها رغم أنها ثوابت إنسانية بحته ونسبية, الطرف الآخر أيضاً يملك ثوابت, ولكنها مختلفة في الصفات, فهي ثوابت إلهية مطلقة تغييرها شبه مستحيل بالتفاوض, مما يضعنا أمام المأزق الآتي:

كيف نخرج من مأزق ثوابتنا المختلفة في ظل عدم تقبل كلا من الطرفين لتغيير ثوابته؟
كيف نقدم أفكارنا لشعب مغيب تماماً ويواجه العلمانية والليبرالية والشيوعية بأفكار مسبقة قائمه على انها كفر وضلال وشرك؟
ماهي الحلول التي نضمن بها تطبيق العلمانية قبل إنفجار فتنة طائفية تطيح بالأخضر واليابس أو ثورة إسلامية تطيح بنا من على وجه البسيطة؟
كيف نتعامل مع تيار يملك أدوات دينية تمكنه من الدعوة لقتالنا والإستيلاء على ممتلكاتنا وسبي نسائنا في أي لحظه ومع مبررات دينية لا تقبل الشك؟

أترك الإجابات لكم......