الجمعة، ٢٦ سبتمبر ٢٠٠٨

متى يخرج الأزهر من أزماته ويسترد دوره المعتدل؟


دأب الأزهر منذ نشأته على أن يكون الصوت الرسمي المعبر عن الدين الإسلامي سواء في الدول الإسلامية أو كمتحدث عالمي بإسم الإسلام, كذلك أعتبر الأزهر المؤشر الرئيسي على درجة إعتدال أو تشدد المسلمين تبعاً لنوعية الفتاوي التي يصدرها والسياسة الرقابية التي يفرضها على المبدعين والفنانين في شتى المجالات الإبداعية, وعلى مر التاريخ كان الأزهر المثال الواضح على إعتدال الإسلام وتقبله لمختلف الآراء والمانع الأول للإختلافات المذهبية المؤدية للحروب الأهلية والفتن الطائفية, كذلك إمتاز الأزهر بإستقلاليته عن دوائر الحكم والسلطه لفترة ليست بالقليلة من الزمان, بل وكان كذلك مصنع لتخريج المعارضين لسياسات الحكام تحت شعارات إسلامية بحته ترفض الظلم والطغيان وتنحاز للعدل والمساواة, ولم يقتصر الأمر على المعارضين السياسيين فحسب, وإنما إتسع دوره السياسي كذلك ليشمل مقاومة الإحتلال ورفع الروح المعنوية للشعب في الحروب وقيادة الجماهير في المظاهرات والإحتجاجات, والأمثله التاريخية لا تعد ولا تحصى بداءاً من تعبئة الجيش العربي لمواجهة الصليبيين مع صلاح الدين الأيوبي إنتهاءاً بموقف الأزهر الجليل في مواجهة الإحتلال الفرنسي والإنجليزي, فماذا حدث في القرن العشرين حتى وصل الحال بالأزهر لتلك الدرجه الغير مسبوقه من إنعدام الدور وإنحيازه للسلطه على حساب الشعب وضيق تفكيره في مواجهة الحريات الإبداعية ومآساته اللانهائية مع معضلة الفتاوي التحريمية ذات الطابع الوهابي المتشدد؟

بعد إنتهاء حرب 73 المجيدة وتكليل جهود الرئيس السادات بالنجاح الباهر في مجال إستعادة الأرض المفقودة بدأت أنظاره تتجه لإقصاء الحركات اليسارية والناصرية والشيوعية بعد سنوات من سيطرتها على الشارع المصري ممثلاً بجامعاته ومراكزه الثقافية والإبداعية وحركاته المعارضه, ولم يطل الأمر كثيراً على السادات ونظامه حتى توصل للحل الأمثل, وهو الإستعانه بالدين في مواجهة من لا يستخدمونه لخدمة أغراضهم, وبدأت معركة السيطرة على الشارع بالتحالف مع الإخوان, والأهم من ذلك, بتدجين مؤسسة الأزهر لتبقى تحت السيطرة الكامله للدوله كأداة تستخدم في أوقات بعينها لفرض كلمة الدوله تحت ستار كلمة الله, ووجد الأزهريون أنفسهم أمام قوة حكومية باطشه قد تقطع أرزاقهم في لحظه, أو تعطيهم سلطه السيطرة في لحظه أخرى إذا وافقوا على دخول الحظيرة النظامية بلا جدال ولا نقاش, كذلك كانت أموال الدول النفطية بعد ثراءها المفاجىء على يد حرب 73 دعماً بلا حدود لشيوخ الأزهر ومسئوليه, وظهر الدعم في أبهى صوره ممثلاً في الإستعانة بشيوخ الأزهر وأساتذته للتدريس في تلك الدول بل وتوظيفهم كمستشارين للملوك الخليجيين وحكوماتهم, وكان المقابل بالطبع هو الترويج للفكر الوهابي في الأزهر وبالتالي نشره في القطر المصري ببساطه إعتماداً على المصداقية التي يتمتع بها الأزهر لدى المصريين, إلى جانب الدعم الحكومي المصري للأزهر كما أسلفنا في ترويج الفكر الخرافي المتشدد لإحكام السطرة على الشعب ولإقصاء قوى اليسار تماماً من اللعبه السياسية ....

في فترة الثمانينات والتسعينات باتت الحركة الوهابية بكامل فكرها هي المسيطرة على العقل الديني المصري, ومع دعم بالغ القوة من المؤسسه الأزهرية المدجنه من السلطه والمنحازة بفعل الأموال النفطية للسياسة الخليجية, ومن هنا ظهرت قوة جديدة سيطرت على التوجه الرسمي للأزهر ممثله في ضغط الشارع المصري نفسه, فظهرت بين المصريين النزعات المحافظه والتقليدية التي تركن لتغييب العقل وتغليب العادات والتقاليد التي إتخذت ظاهر ديني على الإعتدال والتطور, وصار المواطن المصري أكثر تشدداً من الأزهر نفسه لدرجة إتهامه بالتواطؤ والخذلان إذا أعرب أحد مشايخه عن رأي فيه بعض الحرية والإعتدال إزاء قضية إبداعية أو سياسية, كما حدث القضايا التي تخص حقوق المرأة مثل قضايا الخلع أو الختان, كذلك ما يختص بالحوار بين الأديان عندما إستقبل شيخ الأزهر حاخامات يهود في مكتبه للتحاور والنقاش, ثم ظهرت الطامه الكبرى ممثلة في فوضى الفتاوى التي لازلنا نعاني من نتائجها حتى الآن, وهي الدليل الأكبر على سيطرة النظام ممثلاً في الأزهر من ناحية على عقول المواطنين, ومن ناحية أخرى تُظهر نوعية الأسئله التي تدور حولها الفتاوى ومدى درجة قبول الفتوى من عدمها كدليل على رقابة الشعب الذاتية للأزهر عند أي خروج عن العادات والتقاليد التي إستنها الشعب المصري لنفسه, فرأينا كيف إعترض المواطنين مع شيوخهم من خارج المؤسسة الأزهرية (الفضائيات وأئمة المساجد) على قانون الختان ورفع سن الزواج, بل ووصل الأمر لإتهام الأزهر بموالاة السلطة مع علمهم الكامل بتلك الموالاة التي هي بلا حدود من قبل, وفي نفس الوقت يقبل نفس هذا الشعب بالفتاوى القائله بوجوب قتل المرتد إذا لم يستتاب خلال ثلاثة أيام, ويقبل كذلك كل فتاوى التحريم التي يصدرها مثل حرمانية الموسيقى والغناء والتصوير والتماثيل والفيديو جيم وعدم الذهاب للتصويت في الإستفتاءات والإنتخابات وكل ما يخص المرأة من الحجاب إلى النقاب مروراً بخروجها للعمل وحتى تعطرها في جو مصر الخانق! كل تلك الفتاوى المتشددة قبلها المواطنين, ولكنهم لم يقبلوا القليل منها المعتدل لأنهم تصوروا أن الإسلام هو التشدد والإنغلاق والرجعية بناءاً على سنوات عديدة من ممارسة الأزهر لتلك النماذج دون فترة معتدله لإلتقاط الأنفاس إلا لو جاءت تلك الهدنه بأوامر من النظام نفسه ليكبح جماح بعض الحركات الإسلامية التي قد تتحول من الجهاد باللسان إلى الجهاد بالسلاح, كذلك إذا أراد النظام تعبئة الجماهير لإنمتخابات أو إستفتاءات أو لقبول واقع تفرضه بعض القوى الخارجية ويحتاج لسند ديني يؤيده ويمرر شرعيته .....

الأزهر واقع تحت ضغوط لا قِبل له بها في الوقت الحاضر, ضغوط سياسية داخلية وخارجية ودينية من الخليج وشعبية من شعب لم يعد يرضى إلا بالإنغلاق والتشدد ولفظ تماماً أي فرصه للإعتدال والإنفتاح والتنوير, وللخروج من تلك الضغوط والعوده مره أخرى لممارسة الدور الإعتدالي التنويري لابد للأزهر من الإستقلالية عن النظام السياسي وتقديم بديل عن التدين الوهابي المظهري وتوعية المواطنين بالإسلام الصحيح الذي يشجع اليسر وينبذ العسر, فهل من مجيب لتلك الدعوة؟