الأربعاء، ١٤ نوفمبر ٢٠٠٧

هل أصبح الأزهر منبر التطرف وضحالة الفكر وتعطيل العقل ؟



هل وصل الحال بالإنسان المسلم أن يسأل أهل الدين في أدق تفاصيل حياته التي لا تحتاج سوى إلى قليل من العقل وبعض التدبر وإعمال بسيط للفكر ؟

منذ متى وصل الحال بالمسلمون لتلك الدرجة المخزية من الإتكال وضحالة التفكير وتعطيل العقل ؟ لم تأخذ دار الإفتاء تلك المكانة والأهمية إلا في زماننا هذا, فقد وصلت طلبات الفتاوى اليومية طبقاً لآخر الإحصائيات لألف فتوى كل شهر ! وهو رقم غير مسبوق ولا يعبر إلا عن إنحدار مستوى الوعي الجمعي والتفكير العلمي والمنطق, ومما زاد الطين بلة إنتشار قنوات الإفتاء الدينية الفضائية التي أخذت دورها في توجيه المسلمين كيفما تشاء دون رادع أو وازع, وصارت تلك القنوات منبراً تُنشر فيه أفكار ما أنزل الله بها من سلطان, منها أفكار خرافية غيبية لا تمت لواقعنا العلمي بصلة, ومنها أفكار متشددة تدعو لنبذ الآخر وإحتقاره, ومنها أيضاً من يدعو لطاعة ولي الأمر أياً كانت أفعاله طالما شهد بأن لا إله ألا الله ! ومن نتائج تلك الأفكار الطبيعية إنتشار ثقافة الميتافيزيقيا والتعصب الديني وقبول الأمر الواقع وإحباط أي فرصة للمطالبة برجوع الحقوق لأصحابها أو تعديل الواقع السيء الذي تعيشه الأمه العربية على كل الأصعدة, وإذا إعتبرنا أن لتلك القنوات إتجاه تجاري بالمقام الأول وفكر وهابي صحراوي بالمقام الثاني يبغى الإنتشار, فماذا عن الموقف الرسمي للأزهر ؟

منذ حوالي ستة أشهر صدرت رواية أشبه بالسيرة الذاتية لكاتب شاب إسمه خالد البري, يحكي فيها تجربته مع الجماعات الإسلامية خلال فترة توهجها, وحملت تلك السيرة عنوان (الدنيا أحلى من الجنة), عندما تنتهي من قراءتها تشعر أن التطرف لا مكان له في الأديان السماوية إلا في عقول متحجرة تأبى التفكير وإستخدام العقل, ورغم سمو الرسالة التي يقدمها الكاتب في سيرته وعمق الفكرة والدرس المستفاد من وراء تجربته لكل شاب في مقتبل حياته إلا أننا فوجئنا بمنع الرواية ومصادرتها نهائياً من قبل الأزهر نفسه الذي يدعو للوسطية وينبذ العنف والتطرف, ولم نرى سبب مقنع لمنع الرواية سوى لأن الكاتب يهاجم الإرهاب ومنطق القتل باسم الرب ! وبدلا من أن يقوم الأزهر بتوزيعها في منافذ البيع وينصح بقراءتها حتى يفكر الشباب المتطرف من جديد في دينه, نجده يمنعها في إشارة لدعمه للمتطرفين والداعين للعنف ورفض الآخر, فهل هذه رسالة الأزهر الآن ؟

ومن عجائب الأمور أن نجد أكبر شخصيتين دينيتين في مصر والمدعومان بقوة الإفتاء والسلطة الدينية الممنوحة لهما يتصرفان وكأنهما ضد الشعب المصري بل وضد أي فكر مستنير أو متحضر, فتارة نجد شيخ الأزهر يدعو لجلد الصحفيين بكل جرأة وعنف, وتارة أخرى يخرج المفتي علينا بفتوى أن قتلى الهجرة غير الشرعية ليسوا شهداء, وكأنه إمتلك صك الشهادة يمنحه لمن يشاء ويمنعه عمن يشاء, وطوال عام مضى لم نجد أي تعاطف شعبي ظاهر تجاه شيخ الأزهر أو مفتي الديار المصرية, بل ونجد رد فعلهما على ما يثار حول فتاويهم المرفوضة لا يعبر إلا عن رفضهم الحوار مع من يفتوا لهم, كأنهم يفتون لجهة بعينها وليذهب الشعب للجحيم, ولم ينتظر المفتي كثيراً حتى أكد لنا ما ظنه الناس حين أفتى أن قتلى السيارات يرجع اللوم عليهم وليس على من يقود, وظهرت تلك الفتوى بعد حادثة مقتل سيدة تحت عجلات سيارة الشرطة مباشرة, وكأن المفتي ينتظر أفعال الشرطة والحكومة حتى تخرج فتاويه بما يبررها ويدعم موقفها !

ولنا أن نتساءل, هل وصل حال الإفتاء لدرجة أن نسأل هل غرقى البحر شهداء أم لا ؟ هل اللوم يقع على قائد السيارة أم الضحية ؟ هل من يطلق إشاعة يستحق ثمانون جلدة ؟ كلها أسئلة لا فائدة حقيقية من ورائها, إما لأنها بديهية, أو لأنها لن تقدم ولن تؤخر, ولكننا نوردها هنا لأنها صدرت عن أعلى سلطتين دينيتين في مصر, فماذا عمن يسأل عن أي من الحيوانات سيدخل الجنة وأيها سيدخل النار ؟ أو من يتساءل عن مشروعية ذبح الأضاحي بدون تقليم الأظافر ؟ أو الآخر الذي يستفسر عن جواز تنظيف أرضية حمامه بمياه ساخنة حتى لا يزعج أهل الجان فيؤذونه أو يؤذون أسرته ؟ ومن أطرف ما رأيت كان عن مواطن يسأل بكل إهتمام وجدية عن مدى حرمانية إستخدام فرشاة الأسنان بدلاً من السواك ؟

المشكلة ليست في السائل فقط, فقد يقول قائل أن من يفتي في المسائل الشرعية لا يؤخذ بذنب السائل عنها مهما بلغت درجة غرابة الأسئلة, ولكن العجيب أن يرد المسئول عن الفتاوى على تلك الأسئلة التي يستنكرها فيما بعد ! والاولى به في هذه الحالة أن ينبه السائل لأن يستخدم عقله ومنطقه وسيصل وحده للإجابة التي يبغاها, وإذا إستخدم كل عالم دين سلطاته في توجيه الناس للقراءة والبحث بأنفسهم لما وصلنا لتلك الدرجة المتدنية من الإنحدار الثقافي وضحالة الوعي الجمعي.