الأربعاء، ٢٢ يوليو ٢٠٠٩

من أجل "لماذا"!

متى تحولنا من عقول مفكرة مبدعه ناقدة حره إلى عقول مطيعه منساقة كسولة متلقية غير فاعله؟
أذكر أنني كنت دائم السؤال في مرحلة الدراسة الإبتدائية عن كثير من الأمور التي لا يقبلها العقل وكان أغلبها يدور حول الجانب الإنساني في التعامل مع الآخر...وكنت أبدأ سؤالي عادة بالكلمه السحرية...لماذا؟...تعودت أن تكون أسئلتى من نوع لماذا نكره المسيحيين رغم أنهم لم يؤذونا؟ لماذا ننقسم فريقين في حصة التربية الدينية ليذهب المسيحيون خارج فصلنا نصف ساعه يقضونها إما مع أستاذ مسيحي يشرح لهم تعاليم دينهم أو في حوش المدرسة للعب حتى ننتهي نحن من حصتنا الدينية؟ لماذا لا نتعلم جميعاً مبادىء أخلاقية واحده مستمدة من الدين والفلسفة والعادات والتقاليد دون ان نضطر لتفرقة أبناء الوطن لخارج الفصل وداخله تبعاً للأغلبية؟ لماذا نشعر بتلك العظمه التي هي نابعه من أغلبيتنا في حين نشعر بالتضاؤل أمام أقليات أخرى في عالمنا سعت للتفرد فنجحت على الرغم قلة أعدادها في فرض كلمتها وسطوتها وعلمها ومالها على العالم مثل اليهود او إسرائيل تحديداً الآن؟
أسئلتى لم تتجاوز الحد المسموح لها كثيراً لعدم وجود آخرون يسالون نفس الأسئلة...فقط كنت وحدي دوماً...وكانت الألقاب تنهال علي من نوعية المحامي أو المفكر أو الفيلسوف لا لشيء سوى أنني كنت أغرد خارج السرب...وعندما نضجت قليلاً وأدت أسئلتى في مقبرة عليها آلاف الأقفال حتى أشعر أنني جزء من المجتمع لا يختلف عنه...ولا معه أيضاً...وهكذا تحولت من "لماذا" إلى "لا اهتم"...بمرور الوقت بدأت أقرأ من جديد لمفكرين لم يتوقفوا عند حدود المجتمع بل جاهدوا ليصلوا ب"لماذا" لواقع أرحب وأشمل...سألوا لماذا لا نتطور ونستوعب أن العالم من حولنا سيأكلنا إذا لم نفكر؟ لماذا يظل رأي الأغلبية هو الأصح حتى لو كانت تلك الأغلبية لا تعرف القراءة ولا الكتابة؟ لماذا نقدّس رأي كبارنا رغم أنهم بشر مثلنا يخطئون ويصيبون؟ لماذا لا نراجع تراثنا وتاريخنا علنا نجد فيه ما يفيدنا...أو نصحح ما يضرنا...هؤلاء هم من حملوا مشاعل التنوير في سبيل توصيلها لجموع من أبناء وطنهم الذين آثروا على أنفسهم ولفترة طويلة الصمت وتعطيل التفكير وإلغاء العقل في سبيل النقل...تفتحت نواظري على كتابات د.سيد القمني في مرحله متأخرة ندمت على تأخيرها نتيجة خوفي مره وتكاسلي مرات ورغبتي في مسايرة القطيع الفاقد لحاسة التفكير...كنت أرى كتبه تزين مكتبة والدي ولا أجروء على لمسها مخافة أن أحترق من نار المعرفة...ندمت كثيراً على تعطيل مسار العقل حتى إلتهمت كتبه واحد تلو الآخر لأصل في النهاية لنتيجة واحده...

قد أختلف مع بعض كتابات د.سيد القمني...قد أتفق مع أغلبها...لكن بين الإتفاق والإختلاف تظل قيمة المعرفة والنقد والتحليل هي الأسمى...وتظل تلك الشظية الصغيرة التي تعبث في عقولنا من وقت لآخر بغرض التحفيز على المعرفة مضاءة بفعل كتابات لكتّاب مثل د.سيد القمني...قد أختلف مع طه حسين أو فرج فوده أو خليل عبد الكريم...قد نرفض جميعاً آراؤهم بحكم التربية والعادات والتقاليد والعرف المجتمعي...لكن أن نمنعهم من التفكير ونحجر على آراؤهم ونلغي الرأي الآخر حتى لو إختلفنا معه فلن نصل إلا إلى المرحله التي فيها يسود الرأي الأوحد بغض النظر عن صوابه أو خطأه...وهي المرحله التي يتبعها وأد كامل لأي تقدم أو تطور أو معرفه...تلك المرادفات التي لا تتحقق إلا بالإختلاف

قد أختلف معك في الرأي...لكني مستعد للموت في سبيل أن تقول رأيك
فولتير

الثلاثاء، ٧ يوليو ٢٠٠٩

مشاهد تبكيني




قد تكون لإتجاهاتي اليسارية والإشتراكية دور في تأثري ببعض المشاهد...وقد يكون العكس هو الصحيح....

مشهد 1:

طفل عمره تسع سنوات..يرتدي نظارة "قعر كوباية"...يسير ممسكاً بيد والدته متلمساً طريقه بحذر...النظارة مربوطة من منتصفها بخيط بالي نظراً لكسرها من قبل وإفتقاد القدرة على إصلاحها ناهيك عن إبدالها.

مشهد 2:

إنسان بسيط معاق يتحرك بكرسي متهالك أكله الصدأ وأهلكه طول الإستعمال...يقف بإنتظار صديقه الذي سيساعده على تحريك كرسيه لنزول السلالم ثم صعود سلالم أخرى...يجلس بإنتظاره وينظر لمن حوله نظرة أسى ورفض للشفقة...لا يملك سوى الإنتظار

مشهد 3:

طفل من أطفال الشوارع ينام على جانب الطريق ملتحفاً بورق جرائد...تنظر له فتجد آثار المعارك والسموم شظف العيش على جسمه...تسهب النظر وتمعن في التفكير فلا تعرف من المذنب في حق من؟ هل هو من أذنب في حق نفسه أم نحن المذنبون؟

مشهد 4:

شخص لطيف...يتكلم بهدوء...يضحك ملىء شدقية...تنظر له فتجده يقف بصعوبة محاولاً تجنب المساعدة...تمعن النظر فتجده كفيف...تراقب حركاته التي مثلها ببراعة محمود عبد العزيز في رائعة داوود عبد السيد "الكيت كات" أو "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان...تتابعه فتجد معنى الطيبة والتواضع و .....الحرمان أيضاً...تتسائل...عندما يشعر بالعطش هل بإمكانه أن يعلم بوجود كوب الماء البارد بجانبه وحده؟ هل يستطيع التجول بحرية على شاطىء البحر مستمتعاً بمنظر الغروب وتكوينات السحب؟ هل بإمكانه تخيل شكل وجه أطفاله؟

مشهد 5:

طفلة لا تتعدى السبع سنوات...ترتدي إسدال من رأسها لأخمص قدميها...تنظر لصديقاتها وزميلاتها نظرة طفولة بريئة بعدما تعدت المرحله مبكراً دون أن تعيشها...ارتدائها الإسدال وضعها ضمن مرحلة النضوج...الرسالة المراد توصيلها من إرتدائها للإسدال أنها أصبحت جاهزة للقادر على الحصول عليها.

أكتفي بهذا القدر...وأعلم أن المشاهد لن تكتفي...فكم من مآسي نراها يوميا وقد لا نشعر بها إذا لم نضع أنفسنا محل من يعاني منها.