الأربعاء، ٧ أكتوبر ٢٠٠٩

لتوضيح ماهية العلمانية

يختلط الأمر على الكثيرين ممن يهاجمون العلمانية بين كونها سياسة داخلية تخص مواطني الدولة وعلاقتهم بالهيكل الإداري المسمى بالحكومة وبين سياسات الدولة الخارجية التي تحددها ظروف وملابسات عديدة لا علاقة لها بالعلمانية من قريب أو بعيد أهمها العلاقات دبلوماسية ومصالح الدولة العليا والأمن القومي...كذلك يتم إتهام العلمانية من مناهضيها بمحاربة الدين والسعي لإنهاؤه والتضييق على المتدينيين...وهو الهجوم الذي يحدث أحياناً لسوء فهم أو جهل أو لمجرد الهجوم...وفي هذا المقال أوضح بعض النقاط لتوضيح حقيقة علاقة العلمانية بالسياسات الخارجية وعلاقتها بالدين علني أزيل بعض من سوء الفهم...ولنبدأ:

1- العلمانية تعني في أبسط مفاهميها فصل الدين كإعتقاد شخصي يخص الإنسان كفرد وبين الدولة كإطار عام يضم مواطنين يحملون جنسية الدولة بإختلاف أديانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم...الفصل هنا لا يعني المنع...فكثيرون يخلطون بين الفصل التشريعي والقانوني والإداري للدين عن الدولة وبين منع الإعتقاد بالدين عموماً...الدولة العلمانية تضع الدين من ضمن أهم مبادىء الحرية الشخصية وتعتبر المساس بعلاقة الإنسان بربه جريمة إلا إذا تخطت الحاجز الفردي وأصبحت وسيلة لإنتهاك خصوصيات الآخرين...وقتها يتم تطبيق القانون بدعوى إنتهاك حرية الغير والإعتداء عليه...وهو ما يطبق أيضاً على من ينتهكون حرية المتدين في ممارسة شعائر وطقوس دينه...لذا نرى من خلال ما سبق أن الدين يظل مصان ومحفوظ ولا مساس به للمتدين وتبقى الدولة هي الأرض المحايدة التي تحكم بين مواطنيها دون تحيز على أساس ديني أو عرقي او جنسي.
2- الدولة العلمانية تهتم في المقام الأول بالسياسات الداخلية التي تخص مواطنيها...وهي تنظيم علاقتهم بالدولة على أساس مدني بحت وترك الشأن الديني للمواطن كجزء من حريته الشخصية شريطة ألا يتعدى بواسطته على حرية الآخرين...تعطي الدولة العلمانية الحرية كامله للمؤسسات الدينية بكافة أشكالها دون وصاية مباشرة منها على أدائها...وهو ما يعني عدم إستغلال السلطة للدين في تسيير أمور الدولة أو في تحقيق مصالحها الداخلية...الأصل في السياسة الداخلية للدولة المدنية هو الحياد والعدالة والمساواة في علاقتها بالمواطنين دون النظر لأي إعتبارات أخرى...أما السياسة الخارجية للدولة فتحددها أسس وقواعد عديدة أهمها البراجماتية والنفعية وضمان الأمن القومي...وهو ما ليس له علاقة على الإطلاق بالعلمانية...لذا نرى أن النفعية والبراجماتية هي العامل المشترك الأساسي في الدولة الدينية والعلمانية...فكلاهما يرسمان السياسة الخارجية طبقاً لقواعد وأسس متغيرة بناءاً على الواقع وليس طبقاً لنصوص دستورية أو قانونية أو دينية محدده.
3- لا تسمح الدولة العلمانية بإطار واحد يحدد علاقة مواطنيها بالدوله...فهي تسمح كمثال بالزواج المدني إلى جانب الزواج الديني...وتسمح بحرية الإنتقال من دين لآخر أو من مذهب داخل الدين الواحد لآخر أو حتى ترك الدين للادينية دون وصاية او شروط أو عقوبات...وهو ما يسمح بالمرونة في المجتمعات العلمانية وينهي للأبد أي إحتقانات طائفية أو مذهبية بين مواطنيها...والضامن الوحيد هنا هو حيادية الدولة تجاه من يحملون جنسيتها...أما فيما يخص السياسات الخارجية للدولة فلا نجد أنه من ضمن أسس الدولة العلمانية نشر دين أو مذهب أو فكر بعينه...ولا السعي لتغيير معتقدات الدول الأخرى بقوة السلاح او الحصار الإقتصادي أو العلاقات الدبلوماسية...ولا تهتم الدولة العلمانية بتدين الدول المحيطة بها من عدمه.
4- من أهم الأسباب التي دعت لظهور فكرة الدولة الحيادية هي إنحياز الملك أو الرئيس أو الخليفة أو البابا لدين ومذهب بعينه على حساب باقي الأديان والمذاهب الأخرى التي يدين بها مواطني دولته...وهو ما جعل ظهور فكرة تخلي الدولة عن الإنحياز الديني واجبة التطبيق خاصة بعد سلسلة طويلة من النزاعات الطائفية والحروب الأهلية والإحتقانات الدينية أدت لإسالة دماء الملايين من أبناء الوطن الواحد...لذا نرى أنه نادراً ما تكون الدولة العلمانية طرف في نزاع ديني بينها وبين مواطنيها..بل إنها تكون القاضي والحكم بين عندما ينشأ أي خلاف ديني بينهم...ومن هنا تضمن الدولة العلمانية العدل في الحكم بين مواطنيها لحيادها المسبق تجاههم من الناحية الدينية.
5- وفي النهاية نقول أن الحرية الشخصية في الدول العلمانية مضمونه أكثر بمراحل عن الدول الدينية أو التي تخلط المدني بالديني...كذلك يمارس المتدينون حتى المتطرفون منهم كافة شعائرهم وطقوسهم الدينية دون مضايقات أو إتهامات أو صعوبات في الدول ذات التوجه العلماني...بعكس الدول الدينية أو الشبه دينية التي تضيّق الخناق على من لا يدينون بدينها ومذهبها الرسمي بل ويصل الأمر لحد الإعتقالات وأحياناً القتل مع سبق الإصرار والترصد بدعوى مخالفة الدين الرسمي أو الردة أو الهرطقة...وهو ما نراه بكل وضوح في السعودية التي لا تسمح بممارسة كل من هو غير مسلم أو غير سني او غير وهابي (مثال الصوفية) بممارسة شعارهم الدينية وكذلك حقهم في إقامة دور العبادة الخاصه بهم...وتقوم بإعدام من يرتد عن دينه أو يمارس معتقد يدخل تحت بند الوثنية أو الهرطقة...كذلك نرى كل ما سبق في إيران لكن بإختلاف التحيز المذهبي...ونراه في السودان وما حدث في جنوبه تجاه المسيحيين...ورأيناه أيام حكم صدام حسين للعراق وما حدث للشيعة في حلبجه...والأمثلة لا تنتهي على الإنتهاكات التي تحدث في مجال الحرية الشخصية وحقوق الإنسان والحق في الإعتقاد والتفكير في الدول الدينية...حتى أن أغلب اللاجئين الدينيين يهربون من إضطهاد حكّام الدول الدينية إلى الدول العلمانية التي تضمن حرية ممارستهم لدينهم ومعتقدهم بغض النظر عن ماهيته.