الأربعاء، ٢٢ أغسطس ٢٠٠٧

عن "الصحوة الاسلامية" نتكلم !


تردد فى الآونة الاخيرة مصطلح "الصحوة الاسلامية" كرد فعل عكسى لنداءات المثقفين والعلمانيين للتصدى وبقوة للتيارات الدينية السلفية التى تتغلغل فى المجتمع المصرى بسياسة ناعمة مستغلة الفقر والجهل والعاطفة كأسهل الطرق للوصول لمبتغاهم الذى هو بالطبع أسلمة و"وهبنة" المجتمع بما يخدم مصالحهم ويعزز مكانتهم ويضعد موقفهم, وقد تبارى المفكرون والمنظرون والدعاة الاسلاميون فى ابراز مظاهر تلك الصحوة كدليل على تطور المجتمع بفضلهم وكذلك لتذكيرنا دوما بفضل السعودية وشيوخها الذين اوصلونا لتلك الصحوة المزعومة.

وعندما يذكر احد المذيعين الاسلاميين لشيخ ما على قناة فضائية وهابية الطابع مصطلح "الصحوة الاسلامية" سريعا ما تنفرج اساريره ويضىء وجهه وتنطلق الكلمات من فمه مدوية تعدد مظاهر تلك الصحوة وتعظمها ويلدأ فى سرد معالمها التى لا تخرج عن الآتى :

1- انتشار الحجاب والنقاب : فهم يرون ان التدين الشكلى المتمثل فى الحجاب وما يتبعه هو دليل على الصحوة ووعى المسلمين بدينهم بدرجة غير مسبوقة, وينسون او يتناسون ان الحجاب له من الاسباب الاقتصادية والاجتماعية ماهو اكثر بكثير من الاسباب الدينية, وهو انتشار مظهرى اكثر منه فكرى او سلوكى, وهو نتيجة طبيعية لتدنى مستوى التعليم والوعى الجمعى وليس دليلا على رقيه, ولولا التمويل الخليجى المباشر لنشر الحجاب بابخس الاسعار وتواجده باغلب المحال لما انتشر بتلك الصورة المرضية, ولو كان نشر الحجاب مقترنا بنشر سلوك اجتماعى قويم يهذب الفكر ويرتقى به لما اعترضنا, ولكن نشره فقط لفرض زى ذو طابع خليجى بدوى تحت ستار انه فرض دينى واختراق ثقافة المصريين المدنية الاصيلة بفكر صحراوى جاف هو نوع من انواع الاستعمار الفكرى الذى انصاع له المصريين بدافع دينى عاطفى ليس اكثر, ولو كان الزى سببا فى رفع مستوى السلوكيات لكنا اول المطالبين به, لكن الذى حدث ان الاخلاق فى تدهور, والمعاملة تهوى نحو الاسوأ, ويتم استغلال النقاب اسوأ استغلال سواءا فى حوادث ارهابية او فى حوادث نصب او خيانة زوجية او تحرش بعربات المترو والمواصلات العامة عموما, واذا اعتبر البعض ان الحجاب هو اوضح مظاهر الصحوة الاسلامية فتلك للاسف خدعة, لان الصحوة الاسلامية تتحقق عندما نتخلى عن التدين الشكلى المظهرى الذى لا ينفع بل قد يضر فى سبيل التدين الجوهرى الذى يهذب النفس ويروضها وينجح فى الارتقاء بمستوى وعيها سواء فى المعاملة او الاخلاق او السلوكيات.

2- امتلاء المساجد بالمصلين: وهو مظهر ذُكر أكثر من مرة من قِِِِِبل المنظرين الاسلاميين دون النظر لما وراءه, وذلك المظهر تحديدا عندما يُذكر يقارن بما كان عليه المجتمع المصرى فى خمسينات وستينات القرن الماضى, فيقولون انه فى تلك الفترة لم يكن هناك اقبال على الصلاة كما يحدث الآن ولما تكن المساجد مملؤه بتلك الاعداد الغفيرة التى نراها فى وقتنا الحالى, وينسى مرة اخرى المفكرين الاجلاء انه فى تلك الفترة من الزمان لم يكن الفساد منتشر بتلك القوة, ولم تكن الرشوة جزء من الحياة اليومية للموظف او المسئول, ولم يكن الاغتصاب والتحرش عنوان يومى فى صفحات الجرائد, ولم يكن الشعب المصرى منقسم على ذاته وكاره للآخر كما يحدث الآن سواء بين المسلمين والاقباط او بين المصريين والجنسيات الاخرى او حتى بين مشجعى الفرق الكروية الذين اصبحوا يتنافسون بعنف وعصبية ولغة متدنية, كذلك لم يكن المجتمع على تلك الحالة من النفاق والتمايز الدينى والدروشة التى لا غرض منها سوى فرض الفكر المتطرف باللين مرة وبالارهاب مرات, كل تلك المظاهر لم نكن نعانى منها فى الماضى الجميل, لكن مع ظهور تلك الصحوة المزعومة تبدل الحال واصبحنا نعيش فى مجتمع "قروسطى" لا يقبل سوى الفكر الدينى المتحجر ويرفض تماما التعددية واحترام افكار ومعتقدات الغير, لدرجة المناداة بفرض الجزية واعدام المرتد وتطبيق الشريعة بحذافيرها وعدم جواز ولاية غير المسلم على المسلم, فهل تعتبر تلك المظاهر دليل على الصحوة الاسلامية ؟ ام دليل على تراجع الفكر المستنير سواء الدينى او العلمانى ؟

3- تنامى سطوة الجماعات الاسلامية : بدأت تلك الظاهرة فى نهاية ستينات القرن الماضى بعد هزيمة 67 على وجه التحديد, بدأت جماعات صغيرة من كلية طب الجامعة القاهرة على يد د.عبد المنعم ابو الفتوح ود.عصام العريان, ثم اخذت فى الانتشار تدريجيا طيلة فترة السبعينات بمباركة الرئيس الراحل السادات وبتوجية جماعة الاخوان المسلمين وبدعم مالى خليجى بلا حدود, ثم انتقلت الجماعات خارج السيطرة وبدأت فى فرض فكرها بالجنازير والسيوف داخل الجامعات المصرية بتنظيم وقيادة شبه عسكرية منظمة, ثم انقسمت الجماعات لفرق متنازعة متنافسة فيما بينها تارة وفيما بينها وبين المجتمع ككل تارة اخرى, وزاد نفوذها بقوة بعد اغتيالهم لربيبهم الاول السادات وسيطرتهم على فترة الثمانينات والتسعينات بشكل مسح وارهابى افرز مجموعة حوادث لا تزال عالقة فى الذهن المصرى لبشاعتها ولا انسانيتها, ويأتى الآن المنظرون الاسلاميون ليعتبرونها احد مظاهر الصحوة الاسلامية بعد ما هدأت الامور وتراجع قادة الارهاب عن افكارهم الدموية واستتبت الحوادث الارهابية الا من بعض بقاياهم, فهل يا ترى نعتبر ظهور تلك الجماعات جزء من الصحوة ؟ وهل نعتبر دعوة الجماعات للامر بالمعروف والنهى عن المنكر وهو ما يعنى التدخل المباشر فى حرية الافراد استنارة وحضارة؟

تلك المظاهر كما اسلفنا تعد من وجهة نظرهم دليل النهضة والحضارة القادمة, ولكن, اليس من مظاهر النهضة الحقيقية ان ينتج المواطن المصرى قوت يومه بيده ؟ اليس من مظهرها الدعوة لاستقلال القرار الوطنى ؟ اليس من مظهرها الدعوة للوحدة الوطنية ونبذ الفُرقة والعنصرية الدينية او العرقية ؟ اليس من مظهرها ان الاعتراض على ظلم الحاكم والمطالبة بالعدل والمساواة والحرية ؟ اليس من مظهرها الدفاع عن الضعفاء والمقهورين ؟

اين نحن من تلك المظاهر ؟ لماذا تتحقق الصحوة الاسلامية فى الحجاب او الصلاة او الدعوة دون العلم والثقافة والاستنارة والتجديد ؟ هل يدرى المتأسلمون حقا لاى مدى صحوتهم سطحية ورجعية ؟ هل يعلمون لاى مدى يضرون الدين الاسلامى بافكارهم القشرية عن مفهوم الصحوة والحضارة ؟

الصحوة ايها المفكرون لا تعد صحوة الا برفع الوعى الجمعى, لا تعد صحوة الا بالمزيد من المطالبة بالحريات, لا تعد صحوة الا بايقاف نزيف الفتاوى المسيئة للاسلام والمسلمين, لا تعد صحوة الا بتجديد الفكر الدينى بما يلائم حاضرنا وواقعنا, الصحوة اعزائى هى ان نفيق من وهم اننا الافضل والارقى والاعظم ونعرف حقيقتنا مجردة دون رتوش, وعندما نرى وضعنا بين الامم سنعرف لاى مدى وصلنا, وسنعلم مقدار الجهد المفروض علينا بذله لنسترجع مكانتنا المفقودة من جديد ...

ليست هناك تعليقات: