
اتسم مجتمعنا المصرى فى الآونة الاخيرة بنفاق دينى ومذهبى غير مسبوق فى تاريخنا الحديث, انقسم المجتمع المصرى لفريقين, مسلمين مقتنعين تماما انهم خير امة اخرجت للناس وانهم الوحيدون الجديرون بدخول الجنة بلا منازع, وان غيرهم كفرة محرّف دينهم يبغضونهم ويحقدون عليهم ودائما متربصون لهم بالشر والاذى, وفريق اّخر يرى نفسه مغلوب على امره, يأخذ جانب الحيطة والحذر ويتجنب قدر الامكان الاختلاط بالآخر ويتجاهل كل ما يحدث حوله من اضطهاد او نظرة دونية, فريق منعزل متواطىء بالسكوت والانكسار, يتجاهل حقوقة المدنية ويؤثر السلامة واكل العيش, ينظر للآخر بنفس نظرة الكفر التى يُنظر بها منه, وكلا الفريقين يتسلح بالتدين المنافق اكثر واكثر حتى يصل لنقطة اللارجوع التى ستنهار بعدها الاقنعة ويُظهر كل طرف اقصى ما عنده ...
رأيت حولى نماذج لبشر يخافون ويرتعدون اذا شكك احدهم فى درجة تدينهم, يقرأون ويسمعون القراّن بكل خشوع وحب, يتبعون الصلاة بالاخرى دون كلل او ملل, يتحدثون بما قاله الله ورسوله طوال الوقت, يروون الحكايات والمواعظ والقصص الرسولية ويرددون ما قاله عمرو خالد والشيخ حسان ليحظوا بشرف كونهم مواطنين صالحين متدينيين, يتملكهم الذعر وتصعقهم الدهشة عندما ابدى امتعاضى من صوت القراّن المرتفع, وتجحظ عيونهم عندما ارد على سؤالهم المعتاد الخاص بامتناعى عن الصلاة باننى لا اريد ان اصلى بكل بساطة, يشمئزون عند مصارحتى لهم باننى لا استسيغ سماع القراّن وارفض 95% من الاحاديث النبوية واتقبل الباقى منها كارشادات اخلاقية اعمل بها او اتركها ليس اكثر, يعتبروننى مجنون او معتوه عندما اصرح اننى اصوم فقط لانها عادة اجتماعية وليس عن تدين, يدعون لى بالهداية ناظرين لبعضهم البعض ليروا من فيهم يهاجمنى اكثر فيرفع احدهم من معدل هجومه ليحظى بلقب المدافع الاول عن الدين, يتباهى كلا منهم بالتزامه الدينى وبترديده ما يتذكره من اّيات او احاديث يثبت بها انه الاقرب لله ورسوله والباقيين مازالوا يتخبطون فى الحياة, تجد الفنانيين يهرعون نفاقا لترديد الادعية او لغناء الاغانى الدينية بنفس هرولتهم لحضور حفلات مارينا والعجمى وفيلات رجال الاعمال الفاسدون, الممثلة الفلانية تحجبت, ما اروعها ! نفس الممثلة خلعت الحجاب, الى جهنم وبئس المصير, مع انهم يتابعون مسلسلاتها ويدفعون تذكرة لمشاهدة افلامها دون اعتبار لموقفهم الدينى والاخلاقى منها, الممثل العلانى اعتزل واستشيخ, دعوه يكفّر عن اعماله, لعل الباقين يهتدون مثله, مع ان هؤلاء الباقين انفسهم هم من تحلم بهم الفتيات ليل نهار ويهرعون عدوا ليروهم على خشبة مسرح او فى افتتاح فيلم, اللاعب الفلانى ترك الملاعب ليردد ادعية بصوتة فى سى ديهات ويعرضها على الفضائيات كرنات موبايل, ما اجمله ! اصبح يسمى الشيخ فلان بدلا من اللاعب فلان, الشيخ فلان احرز هدف, بالطبع, لانه قريب من الله, وكأن الباقين ممن يحرزون الاهداف سواء مسلمين او من اى ديانة اخرى يحرزونها خارج ارادة الله, جارنا فلان استشيخ واصبح ذو ذقن سوداء كثيفة تنير وجهه ! كيف سوداء بلون الظلام وتنير الوجه ؟ اما عن زبيبة الصلاة, فهى نقطة نور له فى الجنة, وجلابيتة القصيرة الزى الرسمى لدخوله الجنة بلا عقاب على ما فعله فى الدنيا, والمسواك هو دليل نظافته وايمانه, وترديده الادعية طوال الوقت بسبب وبدون سبب كأنه يردد تعاويذ لطرد الشياطين هى سبب تفوقه وتقدمه على اقرانه, وعندما تحدث لذلك الشخص حادثة ما يرددون انها اختبار اّلهى يتحدد على اساسه مدى قوة ايمانه, وعندما تحدث لانسان طبيعى غير متدين او تحدث لغير المسلمين تصبح عقاب على ترك الدين او الكفر, انه الكيل باكثر من مكيال, والاستحواذ على الرضا الآلهى رغما عن انف الفرق الضالة, والشوفينية فى اروع صورها ....
اذا تكلمنا عن مظاهر النفاق فسنجد العديد والعديد, منها على سبيل المثال السباق اليومى فى ترديد الآذان وراء المؤذن, وكلما رددته بصوت اعلى كلما اخذت درجة ايمانية ارقى, ومنها قراءة القراّن فى اى وقت واى مكان وباى طريقة, حتى تستمتع بنظرات الغير لك التى تقول انك الاكثر تدينا بينهم, ومنها الالتزام بالتمايز فى الزى والمظهر مع تجاهل السلوك والجوهر, لانك كلما تمايزت اكثر كلما احترمك خلق الله اكثر واعتبروك المتحدث الرسمى باسم السماء, تلك المظاهر واكثر نقابلها يوميا وباكثر من شكل وعلى كل لون, ولكن ماذا عن الانسان العادى الذى يرى كل ذلك الكم من النفاق ؟ ماذا يفعل, صراحة, لا شىء, على الاطلاق, هو يكتفى دوما اما بدور المتفرج المعجب بتدين الآخر او المشاركة بالمزايدة عليه حتى يوصل الرسالة الاكثر نفاقا, اذا كنت انت متدين قيراط فأنا متدين 24 ! كم مرة سمعت احدهم يبدى امتعاضه من صوت المؤذن ؟ كم مرة امسكت احدهم متلبسا باستيائه من تطرف المتطرفين وتدين المنافقين ؟ كم مرة واجهت احدهم بشعورك السلبى تجاه مظاهر النفاق الدينى التى تراها ولم ينظر لك بفزع متهما اياك اما بالكفر او على احسن تقدير الزندقة ؟ كم مرة اعلنت انك لا تؤيد الكثير من تعاليم الاسلام وانك تفضل ان تعيش مستقلا عن تلك التعاليم وسلمت من نظرات الكره او الاستهجان او الامتعاض او الازدراء ؟ عن نفسى, فاض بى الكيل من القناع الزائف الذى لطالما ارتديته لارضى من حولى ولاجاريهم فى نفاقهم, فاض الكيل بى لاعتبار نفسى من ضمن المنافقين واحيانا المزايدين كونى اسمع ما لا يعجبنى واصمت او ازايد على ما اسمعه, فاض بى الكيل من كبت حريتى الشخصية فيما اعتقد وفيما اؤمن وفيما ارفض وفيما افكر, فاض بى الكيل من الاتهامات التى تحيط بى من كل جانب عندما اذكر ما يخالف المعلوم من الدين بالضرورة, فاض بى الكيل من اختلاقى الاعذار لرفضى الصلاة التى ارفضها لاننى لا اريد ان اصلى نفاقا او لاؤدى حركات الغرض منها تقضية الواجب فقط ليس اكثر, فاض بى الكيل من دعوات الهداية التى تطاردنى كلما اعلنت عن افكارى كأننى خريج العباسية او شيطان بغيض يوسوس فى صدور الناس بسبب وبدون, فاض الكيل يا مجتمع يزداد نفاقا ويغرق فسادا وتكبت حرياته وتنهب امواله وتتعمق فى جنباته الرشوة ومع ذلك يردد دعاء الركوب والجماع والسفر وينسى السعى والتفكر والابتكار ونظافة اليد ورد الظلم, يا مجتمع اسلامى يطيل اللحية ويحف الشوارب ويقصر الثوب ويا مجتمع مسيحى يعلق الصلبان وينعزل عمن حوله مخافة او غرورا, كفاكم مزايدة ونفاق, كفاكم تعلق باسمال الماضى والعيش بعقلية ظلامية رجعية توقف اّلة العقل والتفكر وتزيد من سرعة اّلة الجهل والتخلف والتوكل ...
لن انافق بعد الآن, وسأعلنها واضحة صريحة, انا ضد كل تدين زائف بلا معنى, ضد قيد العقول, ضد الرجوع للوراء, ضد الصلاة لمجرد الصلاة وضد الصوم لانه فرض ليس اكثر, ضد رحلات الحج والعمرة لان فقرائنا احوج لتلك الاطنان من النقود التى تذهب لجيوب امراء النفط الوهابيين مدّعو التدين ماجنو التصرف خارج دولتهم الظلامية, ضد اى انسان يفرض اراءه ومعتقداته واسلوب حياته على غيره, ضد اى منافق يخاف البوح بما يعتمل فى صدره تجاه الدين حتى لو معلوم منه بالضرورة ويجارى التيار خوفا او مزايدة, ضد كبت حرية الغير باسم الدين, ضد كل اشكال التطرف والارهاب الفكرى, لن انافق وليذهب المنافقون للجحيم ...