الأربعاء، ٢٩ أغسطس ٢٠٠٧

لن انافق


اتسم مجتمعنا المصرى فى الآونة الاخيرة بنفاق دينى ومذهبى غير مسبوق فى تاريخنا الحديث, انقسم المجتمع المصرى لفريقين, مسلمين مقتنعين تماما انهم خير امة اخرجت للناس وانهم الوحيدون الجديرون بدخول الجنة بلا منازع, وان غيرهم كفرة محرّف دينهم يبغضونهم ويحقدون عليهم ودائما متربصون لهم بالشر والاذى, وفريق اّخر يرى نفسه مغلوب على امره, يأخذ جانب الحيطة والحذر ويتجنب قدر الامكان الاختلاط بالآخر ويتجاهل كل ما يحدث حوله من اضطهاد او نظرة دونية, فريق منعزل متواطىء بالسكوت والانكسار, يتجاهل حقوقة المدنية ويؤثر السلامة واكل العيش, ينظر للآخر بنفس نظرة الكفر التى يُنظر بها منه, وكلا الفريقين يتسلح بالتدين المنافق اكثر واكثر حتى يصل لنقطة اللارجوع التى ستنهار بعدها الاقنعة ويُظهر كل طرف اقصى ما عنده ...

رأيت حولى نماذج لبشر يخافون ويرتعدون اذا شكك احدهم فى درجة تدينهم, يقرأون ويسمعون القراّن بكل خشوع وحب, يتبعون الصلاة بالاخرى دون كلل او ملل, يتحدثون بما قاله الله ورسوله طوال الوقت, يروون الحكايات والمواعظ والقصص الرسولية ويرددون ما قاله عمرو خالد والشيخ حسان ليحظوا بشرف كونهم مواطنين صالحين متدينيين, يتملكهم الذعر وتصعقهم الدهشة عندما ابدى امتعاضى من صوت القراّن المرتفع, وتجحظ عيونهم عندما ارد على سؤالهم المعتاد الخاص بامتناعى عن الصلاة باننى لا اريد ان اصلى بكل بساطة, يشمئزون عند مصارحتى لهم باننى لا استسيغ سماع القراّن وارفض 95% من الاحاديث النبوية واتقبل الباقى منها كارشادات اخلاقية اعمل بها او اتركها ليس اكثر, يعتبروننى مجنون او معتوه عندما اصرح اننى اصوم فقط لانها عادة اجتماعية وليس عن تدين, يدعون لى بالهداية ناظرين لبعضهم البعض ليروا من فيهم يهاجمنى اكثر فيرفع احدهم من معدل هجومه ليحظى بلقب المدافع الاول عن الدين, يتباهى كلا منهم بالتزامه الدينى وبترديده ما يتذكره من اّيات او احاديث يثبت بها انه الاقرب لله ورسوله والباقيين مازالوا يتخبطون فى الحياة, تجد الفنانيين يهرعون نفاقا لترديد الادعية او لغناء الاغانى الدينية بنفس هرولتهم لحضور حفلات مارينا والعجمى وفيلات رجال الاعمال الفاسدون, الممثلة الفلانية تحجبت, ما اروعها ! نفس الممثلة خلعت الحجاب, الى جهنم وبئس المصير, مع انهم يتابعون مسلسلاتها ويدفعون تذكرة لمشاهدة افلامها دون اعتبار لموقفهم الدينى والاخلاقى منها, الممثل العلانى اعتزل واستشيخ, دعوه يكفّر عن اعماله, لعل الباقين يهتدون مثله, مع ان هؤلاء الباقين انفسهم هم من تحلم بهم الفتيات ليل نهار ويهرعون عدوا ليروهم على خشبة مسرح او فى افتتاح فيلم, اللاعب الفلانى ترك الملاعب ليردد ادعية بصوتة فى سى ديهات ويعرضها على الفضائيات كرنات موبايل, ما اجمله ! اصبح يسمى الشيخ فلان بدلا من اللاعب فلان, الشيخ فلان احرز هدف, بالطبع, لانه قريب من الله, وكأن الباقين ممن يحرزون الاهداف سواء مسلمين او من اى ديانة اخرى يحرزونها خارج ارادة الله, جارنا فلان استشيخ واصبح ذو ذقن سوداء كثيفة تنير وجهه ! كيف سوداء بلون الظلام وتنير الوجه ؟ اما عن زبيبة الصلاة, فهى نقطة نور له فى الجنة, وجلابيتة القصيرة الزى الرسمى لدخوله الجنة بلا عقاب على ما فعله فى الدنيا, والمسواك هو دليل نظافته وايمانه, وترديده الادعية طوال الوقت بسبب وبدون سبب كأنه يردد تعاويذ لطرد الشياطين هى سبب تفوقه وتقدمه على اقرانه, وعندما تحدث لذلك الشخص حادثة ما يرددون انها اختبار اّلهى يتحدد على اساسه مدى قوة ايمانه, وعندما تحدث لانسان طبيعى غير متدين او تحدث لغير المسلمين تصبح عقاب على ترك الدين او الكفر, انه الكيل باكثر من مكيال, والاستحواذ على الرضا الآلهى رغما عن انف الفرق الضالة, والشوفينية فى اروع صورها ....

اذا تكلمنا عن مظاهر النفاق فسنجد العديد والعديد, منها على سبيل المثال السباق اليومى فى ترديد الآذان وراء المؤذن, وكلما رددته بصوت اعلى كلما اخذت درجة ايمانية ارقى, ومنها قراءة القراّن فى اى وقت واى مكان وباى طريقة, حتى تستمتع بنظرات الغير لك التى تقول انك الاكثر تدينا بينهم, ومنها الالتزام بالتمايز فى الزى والمظهر مع تجاهل السلوك والجوهر, لانك كلما تمايزت اكثر كلما احترمك خلق الله اكثر واعتبروك المتحدث الرسمى باسم السماء, تلك المظاهر واكثر نقابلها يوميا وباكثر من شكل وعلى كل لون, ولكن ماذا عن الانسان العادى الذى يرى كل ذلك الكم من النفاق ؟ ماذا يفعل, صراحة, لا شىء, على الاطلاق, هو يكتفى دوما اما بدور المتفرج المعجب بتدين الآخر او المشاركة بالمزايدة عليه حتى يوصل الرسالة الاكثر نفاقا, اذا كنت انت متدين قيراط فأنا متدين 24 ! كم مرة سمعت احدهم يبدى امتعاضه من صوت المؤذن ؟ كم مرة امسكت احدهم متلبسا باستيائه من تطرف المتطرفين وتدين المنافقين ؟ كم مرة واجهت احدهم بشعورك السلبى تجاه مظاهر النفاق الدينى التى تراها ولم ينظر لك بفزع متهما اياك اما بالكفر او على احسن تقدير الزندقة ؟ كم مرة اعلنت انك لا تؤيد الكثير من تعاليم الاسلام وانك تفضل ان تعيش مستقلا عن تلك التعاليم وسلمت من نظرات الكره او الاستهجان او الامتعاض او الازدراء ؟ عن نفسى, فاض بى الكيل من القناع الزائف الذى لطالما ارتديته لارضى من حولى ولاجاريهم فى نفاقهم, فاض الكيل بى لاعتبار نفسى من ضمن المنافقين واحيانا المزايدين كونى اسمع ما لا يعجبنى واصمت او ازايد على ما اسمعه, فاض بى الكيل من كبت حريتى الشخصية فيما اعتقد وفيما اؤمن وفيما ارفض وفيما افكر, فاض بى الكيل من الاتهامات التى تحيط بى من كل جانب عندما اذكر ما يخالف المعلوم من الدين بالضرورة, فاض بى الكيل من اختلاقى الاعذار لرفضى الصلاة التى ارفضها لاننى لا اريد ان اصلى نفاقا او لاؤدى حركات الغرض منها تقضية الواجب فقط ليس اكثر, فاض بى الكيل من دعوات الهداية التى تطاردنى كلما اعلنت عن افكارى كأننى خريج العباسية او شيطان بغيض يوسوس فى صدور الناس بسبب وبدون, فاض الكيل يا مجتمع يزداد نفاقا ويغرق فسادا وتكبت حرياته وتنهب امواله وتتعمق فى جنباته الرشوة ومع ذلك يردد دعاء الركوب والجماع والسفر وينسى السعى والتفكر والابتكار ونظافة اليد ورد الظلم, يا مجتمع اسلامى يطيل اللحية ويحف الشوارب ويقصر الثوب ويا مجتمع مسيحى يعلق الصلبان وينعزل عمن حوله مخافة او غرورا, كفاكم مزايدة ونفاق, كفاكم تعلق باسمال الماضى والعيش بعقلية ظلامية رجعية توقف اّلة العقل والتفكر وتزيد من سرعة اّلة الجهل والتخلف والتوكل ...

لن انافق بعد الآن, وسأعلنها واضحة صريحة, انا ضد كل تدين زائف بلا معنى, ضد قيد العقول, ضد الرجوع للوراء, ضد الصلاة لمجرد الصلاة وضد الصوم لانه فرض ليس اكثر, ضد رحلات الحج والعمرة لان فقرائنا احوج لتلك الاطنان من النقود التى تذهب لجيوب امراء النفط الوهابيين مدّعو التدين ماجنو التصرف خارج دولتهم الظلامية, ضد اى انسان يفرض اراءه ومعتقداته واسلوب حياته على غيره, ضد اى منافق يخاف البوح بما يعتمل فى صدره تجاه الدين حتى لو معلوم منه بالضرورة ويجارى التيار خوفا او مزايدة, ضد كبت حرية الغير باسم الدين, ضد كل اشكال التطرف والارهاب الفكرى, لن انافق وليذهب المنافقون للجحيم ...

الأربعاء، ٢٢ أغسطس ٢٠٠٧

عن "الصحوة الاسلامية" نتكلم !


تردد فى الآونة الاخيرة مصطلح "الصحوة الاسلامية" كرد فعل عكسى لنداءات المثقفين والعلمانيين للتصدى وبقوة للتيارات الدينية السلفية التى تتغلغل فى المجتمع المصرى بسياسة ناعمة مستغلة الفقر والجهل والعاطفة كأسهل الطرق للوصول لمبتغاهم الذى هو بالطبع أسلمة و"وهبنة" المجتمع بما يخدم مصالحهم ويعزز مكانتهم ويضعد موقفهم, وقد تبارى المفكرون والمنظرون والدعاة الاسلاميون فى ابراز مظاهر تلك الصحوة كدليل على تطور المجتمع بفضلهم وكذلك لتذكيرنا دوما بفضل السعودية وشيوخها الذين اوصلونا لتلك الصحوة المزعومة.

وعندما يذكر احد المذيعين الاسلاميين لشيخ ما على قناة فضائية وهابية الطابع مصطلح "الصحوة الاسلامية" سريعا ما تنفرج اساريره ويضىء وجهه وتنطلق الكلمات من فمه مدوية تعدد مظاهر تلك الصحوة وتعظمها ويلدأ فى سرد معالمها التى لا تخرج عن الآتى :

1- انتشار الحجاب والنقاب : فهم يرون ان التدين الشكلى المتمثل فى الحجاب وما يتبعه هو دليل على الصحوة ووعى المسلمين بدينهم بدرجة غير مسبوقة, وينسون او يتناسون ان الحجاب له من الاسباب الاقتصادية والاجتماعية ماهو اكثر بكثير من الاسباب الدينية, وهو انتشار مظهرى اكثر منه فكرى او سلوكى, وهو نتيجة طبيعية لتدنى مستوى التعليم والوعى الجمعى وليس دليلا على رقيه, ولولا التمويل الخليجى المباشر لنشر الحجاب بابخس الاسعار وتواجده باغلب المحال لما انتشر بتلك الصورة المرضية, ولو كان نشر الحجاب مقترنا بنشر سلوك اجتماعى قويم يهذب الفكر ويرتقى به لما اعترضنا, ولكن نشره فقط لفرض زى ذو طابع خليجى بدوى تحت ستار انه فرض دينى واختراق ثقافة المصريين المدنية الاصيلة بفكر صحراوى جاف هو نوع من انواع الاستعمار الفكرى الذى انصاع له المصريين بدافع دينى عاطفى ليس اكثر, ولو كان الزى سببا فى رفع مستوى السلوكيات لكنا اول المطالبين به, لكن الذى حدث ان الاخلاق فى تدهور, والمعاملة تهوى نحو الاسوأ, ويتم استغلال النقاب اسوأ استغلال سواءا فى حوادث ارهابية او فى حوادث نصب او خيانة زوجية او تحرش بعربات المترو والمواصلات العامة عموما, واذا اعتبر البعض ان الحجاب هو اوضح مظاهر الصحوة الاسلامية فتلك للاسف خدعة, لان الصحوة الاسلامية تتحقق عندما نتخلى عن التدين الشكلى المظهرى الذى لا ينفع بل قد يضر فى سبيل التدين الجوهرى الذى يهذب النفس ويروضها وينجح فى الارتقاء بمستوى وعيها سواء فى المعاملة او الاخلاق او السلوكيات.

2- امتلاء المساجد بالمصلين: وهو مظهر ذُكر أكثر من مرة من قِِِِِبل المنظرين الاسلاميين دون النظر لما وراءه, وذلك المظهر تحديدا عندما يُذكر يقارن بما كان عليه المجتمع المصرى فى خمسينات وستينات القرن الماضى, فيقولون انه فى تلك الفترة لم يكن هناك اقبال على الصلاة كما يحدث الآن ولما تكن المساجد مملؤه بتلك الاعداد الغفيرة التى نراها فى وقتنا الحالى, وينسى مرة اخرى المفكرين الاجلاء انه فى تلك الفترة من الزمان لم يكن الفساد منتشر بتلك القوة, ولم تكن الرشوة جزء من الحياة اليومية للموظف او المسئول, ولم يكن الاغتصاب والتحرش عنوان يومى فى صفحات الجرائد, ولم يكن الشعب المصرى منقسم على ذاته وكاره للآخر كما يحدث الآن سواء بين المسلمين والاقباط او بين المصريين والجنسيات الاخرى او حتى بين مشجعى الفرق الكروية الذين اصبحوا يتنافسون بعنف وعصبية ولغة متدنية, كذلك لم يكن المجتمع على تلك الحالة من النفاق والتمايز الدينى والدروشة التى لا غرض منها سوى فرض الفكر المتطرف باللين مرة وبالارهاب مرات, كل تلك المظاهر لم نكن نعانى منها فى الماضى الجميل, لكن مع ظهور تلك الصحوة المزعومة تبدل الحال واصبحنا نعيش فى مجتمع "قروسطى" لا يقبل سوى الفكر الدينى المتحجر ويرفض تماما التعددية واحترام افكار ومعتقدات الغير, لدرجة المناداة بفرض الجزية واعدام المرتد وتطبيق الشريعة بحذافيرها وعدم جواز ولاية غير المسلم على المسلم, فهل تعتبر تلك المظاهر دليل على الصحوة الاسلامية ؟ ام دليل على تراجع الفكر المستنير سواء الدينى او العلمانى ؟

3- تنامى سطوة الجماعات الاسلامية : بدأت تلك الظاهرة فى نهاية ستينات القرن الماضى بعد هزيمة 67 على وجه التحديد, بدأت جماعات صغيرة من كلية طب الجامعة القاهرة على يد د.عبد المنعم ابو الفتوح ود.عصام العريان, ثم اخذت فى الانتشار تدريجيا طيلة فترة السبعينات بمباركة الرئيس الراحل السادات وبتوجية جماعة الاخوان المسلمين وبدعم مالى خليجى بلا حدود, ثم انتقلت الجماعات خارج السيطرة وبدأت فى فرض فكرها بالجنازير والسيوف داخل الجامعات المصرية بتنظيم وقيادة شبه عسكرية منظمة, ثم انقسمت الجماعات لفرق متنازعة متنافسة فيما بينها تارة وفيما بينها وبين المجتمع ككل تارة اخرى, وزاد نفوذها بقوة بعد اغتيالهم لربيبهم الاول السادات وسيطرتهم على فترة الثمانينات والتسعينات بشكل مسح وارهابى افرز مجموعة حوادث لا تزال عالقة فى الذهن المصرى لبشاعتها ولا انسانيتها, ويأتى الآن المنظرون الاسلاميون ليعتبرونها احد مظاهر الصحوة الاسلامية بعد ما هدأت الامور وتراجع قادة الارهاب عن افكارهم الدموية واستتبت الحوادث الارهابية الا من بعض بقاياهم, فهل يا ترى نعتبر ظهور تلك الجماعات جزء من الصحوة ؟ وهل نعتبر دعوة الجماعات للامر بالمعروف والنهى عن المنكر وهو ما يعنى التدخل المباشر فى حرية الافراد استنارة وحضارة؟

تلك المظاهر كما اسلفنا تعد من وجهة نظرهم دليل النهضة والحضارة القادمة, ولكن, اليس من مظاهر النهضة الحقيقية ان ينتج المواطن المصرى قوت يومه بيده ؟ اليس من مظهرها الدعوة لاستقلال القرار الوطنى ؟ اليس من مظهرها الدعوة للوحدة الوطنية ونبذ الفُرقة والعنصرية الدينية او العرقية ؟ اليس من مظهرها ان الاعتراض على ظلم الحاكم والمطالبة بالعدل والمساواة والحرية ؟ اليس من مظهرها الدفاع عن الضعفاء والمقهورين ؟

اين نحن من تلك المظاهر ؟ لماذا تتحقق الصحوة الاسلامية فى الحجاب او الصلاة او الدعوة دون العلم والثقافة والاستنارة والتجديد ؟ هل يدرى المتأسلمون حقا لاى مدى صحوتهم سطحية ورجعية ؟ هل يعلمون لاى مدى يضرون الدين الاسلامى بافكارهم القشرية عن مفهوم الصحوة والحضارة ؟

الصحوة ايها المفكرون لا تعد صحوة الا برفع الوعى الجمعى, لا تعد صحوة الا بالمزيد من المطالبة بالحريات, لا تعد صحوة الا بايقاف نزيف الفتاوى المسيئة للاسلام والمسلمين, لا تعد صحوة الا بتجديد الفكر الدينى بما يلائم حاضرنا وواقعنا, الصحوة اعزائى هى ان نفيق من وهم اننا الافضل والارقى والاعظم ونعرف حقيقتنا مجردة دون رتوش, وعندما نرى وضعنا بين الامم سنعرف لاى مدى وصلنا, وسنعلم مقدار الجهد المفروض علينا بذله لنسترجع مكانتنا المفقودة من جديد ...

الاثنين، ١٣ أغسطس ٢٠٠٧

عقوبة حد الردة اساءة للاسلام


طفت على السطح في الفترة الاخيرة عدة قضايا صنفت على انها قضايا راى عام يدور محور الحديث فيها عن مشكلة حرية الاعتقاد في الاديان, تلك القضايا كان من الممكن التعامل معها بسهولة لو كان مجتمعنا منفتح قليلا على الآخر ومتسامح مع المتناقض, لكن من الواضح تماما ان المجتمع المصرى يسير بكل اقدام نحو الهاوية وبلا تردد ...

عندما برزت مشكلة المواطن محمد حجازى الذى اعتنق المسيحية عن اقتناع وبلا ادنى رغبة فى الرجوع للاسلام ظهرت معه امراض المجتمع المصرى المسلم وسوء تفسيره للنصوص الدينية بما يخدم مصالحه فقط, ونسى او تناسى شيوخ الاسلام ان مسألة تحول الانسان من معتقد لمعتقد حرية شخصية لا يصح التدخل فيها واجبار الآخر على اعتناق ما لايرغب, وهنا لابد ان نشير الى ان مفهوم الحرية بشكلها الصحى لم يصل بعد لعقلية شيوخ الاسلام الذين ما انفكوا يصرون على تفسير النص الدينى بعقلية عفى عليها الزمن ولم تعد صالحة لزمن حقوق الانسان والديموقراطية واحترام حرية المعتقد "ايا كان", ورأينا كيف تتحكم الازدواجية والكيل بمكيالين فى تصرفات المسلمين تجاه غيرهم, فنرى على سبيل المثال ان دعوة المسيحيين للاسلام مشروعة ولا خلاف عليها, فى حين يعتبرون حملات التبشير المسيحية كارثة واثم وهجوم على الاسلام لابد من ردعه, ونرى كذلك كيف تصبح الاجراءات القانونية والشرعية سهلة وميسرة عند التحول من اى دين او ملة الى الاسلام, وكيف يتحول الامر لقضية راى عام وشد وجذب وتكسير عظام عندما يرغب فرد فى التحول عن الاسلام, بل وتصيح المنابر بكل حرقة قائلة بوجوب القصاص من المرتد طبقا للدين وذلك بقتلة حتى يكون عبرة لغيره وحتى لا يسمح بحرية الدخول والخروج من الاسلام للحفاظ على هيبته ومنع التلاعب به, والسؤال الذى يشغل بالى بحق ولا اجد اجابة له يتلخص فى الآتى, اذا لم يكن الاسلام ينادى بحرية الرأى والمعتقد, فلماذا سمح بتلك الحرية لغير المسلمين للتحول للاسلام ؟ ولماذا سمح بوجود "المؤلفة قلوبهم" رغم انهم يعتنقون الاسلام ظاهريا ؟ ولماذا نجد اكثر النصوص الدينية تتحدث عن حرية المعتقد ونبذ الاكراه فى الدين ووضع حد بين "ديننا ودينهم" ؟

الغريب فى الامر اننا لا نجد اى اشارة فى القراّن الكريم من خلال ال 72 اّية التى تتحدث عن التشريع فى الاسلام الى وضع حد للردة عنه, ولم نجد اى اشارة لعقوبة دنيوية للمرتد سواء جسدية ( القتل او التعذيب ) او نفسية ( كالنبذ او سوء المعاملة ), وان كل ما ذكر عن المرتد فى الاسلام ان عقابه فى الآخرة سيحاسبه عليه ربه الاعلم بما فى القلوب, ولم يخص الله عز وجل اى انسان بالحكم على المرتد فى الدنيا, والاغرب ان المرة الوحيدة التى ذكرت فيها عقوبة المرتد فى الاسلام كانت من خلال حديث شريف ورد فى البخارى نصه ( عن ابن عباس رضى الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن بدل دينه فاقتلوه" ), وهو كما نرى حديث اّحاد, ومن المعروف ان حديث الآحاد ضعيف ولا يؤخذ به, وهو ما ينقلنا بطبيعة الحال للقراّن الكريم الذى اوضحنا فيما سبق انه لا ينص على عقوبة دنيوية للمرتد فيه, وهنا يتضح لنا بدون ادنى شك ان الاسلام وقراّنه يحترمان حرية الرأى ويحضان عليها ولا يرضون اجبار الانسان على اعتناق ما لايرغب اذا بلغ ورشد, وهو ما ينقلنا الى نقطة اخرى ...

كيف نتعامل مع مواطن اراد اعتناق اى دين او معتقد او فكر غير الاسلام ثم منعناه واجبرناه على البقاء فى الاسلام مرغما ؟

اولا سيؤمن هذا المواطن ان الاسلام دين يقيد حرية البشر ولا يحترم رغبتهم وبالتالى سيزيد عداؤه للاسلام بما لا يصب فى مصلحته الشخصية ولا مصلحة المحيطين به, ورغم اعتناق هذا المواطن لدين اّخر غير الاسلام باطنا فانه ظاهريا مسلم, ولهذا يحل له بالقانون والشرع الزواج من مسلمة, وهو ما يخالف الاسلام نفسه, ثم ستظهر مشكلة اخرى متمثلة فى اصرار المواطن التارك للاسلام والمعتنق لديانة اخرى على ممارسة شعائر وطقوس ديانته الاخرى رغم انه على قوة الاسلام والمسلمين, وبالتالى لن يمارس شعائر الاسلام ولن يرغب فيها, وهو ما يوصلنا للنتيجة الطبيعية :

ما الفائدة التى ستعود على الاسلام من اجبار شخص على اعتناق دين لا يرغبه ولا يمارس شعائره وطقوسه وقد يضر هذا الدين بسبب كرهه له لاكراهه عليه وقد يؤدى فيما بعد لمشكلة شرعية وقانونية متمثلة فى ابناء لا ينتمون لاب مسلم فعليا وانما على الورق فقط ؟

وينبغى هنا ان نشير ايضا الى مدى التأثير السىء الذى تحدثه تلك الافعال على صورة الاسلام عموما, لانه لا تفسير لقتل من يتركه الا انه دين يعادى حرية الفكر والرأى وينتزع عنوة الايمان ظاهريا وينفى تماما صفة الروحانية والباطنية, ولو تدبرنا الامر قليلا سنجد ان فرد او فردين او مائه او الف او مليون لن يقللوا من قيمة الاسلام ولن ينتقصوا من انصاره البالغ عددهم مليار وربع انسان شيئا, انما يقلل من شأن الاسلام حقا ويفتح الباب على مصراعيه لمنتقديه من يظهره دين عداء وحرب وقتل وارهاب واجبار وسطحية, وهو ما نراه من اكثر الاصوات ارتفاعا دفاعا عنه كالدبة التى قتلت صاحبها ...

حوار اجريته مع الاديب الكبير صنع الله ابراهيم


ماهى الظروف التى ادت لخروج رواية "اللجنة" للنور كمسرحية ؟ ومتى سيبدأ عرضها ؟

كتبت "اللجنة"عام 1980 وهى تناقش دور سيطرة الشركات الاجنبية على حياتنا وتحكمها فى مصائرنا , وعندما قرأها المخرج المسرحى المعروف "مراد منير" تحمس لها وبدانا باعدادها مسرحيا , وعلى مدى 18 عاما فشلنا فى تنفيذها لظروف مختلفة لدرجة اننى يئست من تنفيذها , حتى نجح فى اعدادها بشكل جديد وافقت عليه الرقابة , اما عن ميعاد العرض فقد انتهينا تقريبا من البروفات وتبقى فقط بعض التجهيزات الخاصة بالديكور وخشبة المسرح , وسيدأ العرض بعد عيد الفطر .

- - لماذا قبلت التعاون مع الحكومة ممثلة فى وزارة الثقافة رغم مواقفك المعارضة المعروفه واشهرها رفضك قبول جائزة مؤتمر الرواية
العربية؟

علاقتى بالمسرحية تنحصر فى اننى صاحب النص الاصلى للرواية , مراد منير هو من اعدها مسرحيا وهى مسئوليتة , وهو ايضا من اتفق مع هيئة المسرح على عرضها فى مسرح السلام .

- هل تعتبر "اللجنة" بداية تعاملك مع المسرح ؟

o ليس لدى خطط مستقبلية بالنسبة للمسرح , لان تخصصى ليس فى الكتابة المسرحية ولا انوى خوض تجربة الكتابة للمسرح مستقبلا , فانا فقط كاتب رواية ولا استطيع ان اتخصص فى اكثر من شكل ادبى مثل القصة القصيرة او كتابة المقالات .

- ما تقييمك للحركة المسرحية فى مصر الآن ؟

o بما ان الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية منهارة فهذا ينعكس بالضرورة على الفنون عموما كالمسرح والغناء والسينما وهو ما نراه الان ممثلا فى الاتجاه للاضحاك فقط , وقد مل المتفرجون المسرح الخاص حتى انخفض الانتاج بشكل ملحوظ , واتمنى ان تكون هذه المسرحية ذات دور فى زيادة نشاط المسرح من جديد , اما عن محاولات الشباب فمعظمها ناضج ومستواها الفنى جيد , ولكنها لا تصل للمتفرجين , وهذه النقطة هى التى نركز عليها فى "اللجنة" , ان تخرج المسرحية بشكل مبهج ولكن قائم على الوعى وتقدم الجديد الذى ننتظره .

- كيف تصنف الرواية ؟

اعتقد انها تندرج تحت بند الكوميديا السوداء , وهى انعكاس لما نراه فى الواقع .


- كتبت الرواية فى عام 1980 , فهل تصلح ل 2007 ؟

o هذا شعور كل العاملين فى المسرحية , فهم يقولون انهم يشعرون بانهم داخل رواية حديثة , فقد اتضح دور الشركات العالمية فى تحريك مصائر البلدان والشعوب من شركات مياه غازية الى بترول , وهذا التحكم يصل الى درجة التأثير فى السياسة .

- هل طاقم العمل على وعى كافى باهمية الرواية التى يقومون بتمثيلها ؟

طبعا , كل العناصر واعية وملتزمة ومدركة اهمية النص , وهنا لابد ان اشير الى حماس نور الشريف للمسرحية , فقد اعطانا جميعا درس فى الالتزام بالعمل والجدية والتواضع , ويقوم نور بدور البطل ويعطيه حيوية شديدة مطلوبة لتلك الشخصية .


- كيف تستعد لكتابة رواية ؟ وما الحالة التى افرزت "اللجنة" ؟

استعد جيدا لاى عمل اقوم به , وذلك بالقراءة فى كل ما يخص الموضوع ومقابلة الاشخاص ذوى العلاقة به , فمثلا رواية فى "شرف" قرأت عن شركات الادوية وعالم السجون , وفى رواية "وردة" قمت بزيارة المنطقة التى دارت فيها الاحداث وزرت صديق فرنسى يملك ارشيف كامل نادر جدا عن كتابات هيئة تحرير ظفار , هناك ايضا العنصر الوجدانى , وهو احساس ما يجعلك تميل الى هذا الموضوع , ثم تقرأ كل ما كتب حوله , والمدخل الوجدانى هو الذى يفرض نفسه على مشاعرى ونفسيتى , واحيانا تفرض تجاربى الشخصية نفسها على الرواية وهذا يجعلنى متحمس ومغرم ومتأثر بشكل شخصى , كما حدث فى رواية "تلصص" التى بها جزء شخصى عن طفولتى .

اما بالنسبة ل"اللجنة" , فاتذكر انه فى عام 1979 كنت احاول كتابة شىء يعبر عن الواقع الذى نعيش فيه , فى ذلك الوقت زار رئيس الوزراء الاسرائيلى "بيجين" مصر , وقال عن الاهرامات "هذا البناء بناه اجدادى" , الغريب فى الامر ليس تصريحه , ولكن رد فعل المثقفين وقتها , فلم يعلق احد الكتاب او الصحفيين على هذه المقولة , ووجدت اننى اتذكر فى نفس اللحظة تجربة دخولى معهد السينما بموسكو , فكانت هناك لجنة مكونة من رؤساء اقسام المعهد بالكامل , وكانوا 15 رئيس قسم , وكانت اسئلتهم من نوعية كم عامود فى مدخل مسرح البولشوى ! ولم يكن الغرض من الاسئلة الاجابة قدر معرفة كيفية الخروج من المأزق , فكانت محنة بالنسبة لى , فقد شعرت بالعجز لطلبهم مثلا تمثيل احد المشاهد وانا لا اجيد التمثيل , واحسست بالفشل والاحباط , ثم بعد 7 سنوات من تلك اللجنة وجدت اوراق دونت فيها تلك التجربة وشعرت انها مدخل جيد للرواية , وتذكرت اللجان العديدة التى مررت بها فى حياتى واهمها لجنة التعذيب وقت دخولى السجن والتى كانت مكونة من لواءات من جميع التخصصات ومن ضمنهم اللواء اسماعيل همت , وبدأت "اللجنة" كقصة قصيرة , ثم بحثت عن شركة كوكاكولا كشركة عابرة للقارات ووجدت انها لها تاريخ ساخر بما يكفى , فمثلا يقال : نحن نفخر باننا اخترعنا العلب الصفيح ( الكانز) لتوصيل المشروب الى الجيش الامريكى بكوريا ! فبنيت الرواية على هذا النموذج وكيفية عمله حيث يختار من كل بلد رجل اعمال ياخذ حق التعبئة مع الاسم واحتفاظه بحق سر تصنيعها , وتطور الامر لفكرة فقدان الهوية , فكلمة كوكاكولا اصبحت من اسماء الرموز فى العالم , ويوردون هنا مثالا اخر عن مواطن يابانى زار مطعم مكسيم فى باريس وفوجىء بهم يقدمون الكوكاكولا , فاعلن عن فرحته لان باريس تقدم مشروب بلده الوطنى على حسب علمه ! ومع الانتصار ( المؤقت ) للراسمالية العالمية زاد تحركها على كل الاصعدة من نوعية المنتجات الاستهلاكية والاغانى والسينما , فتم بناء الرواية على الكوميديا الساخرة والمفارقات بين مفهومهم عن الحياة ومفهومنا عنها , الرواية تنتهى نهاية غريبة تعكس وضع المثقف فى بلادنا وماّساته النابعة من فرديته لانه يتحرك وحده , فيمكن ان يتفهم ما يحدث حوله ولكن توجد مسافة بين الفهم والتعبير والفعل .

- ما الموقف الذى يمكن ان يكون مدخل لرواية جديدة تعكس الوضع الحالى ؟

العدوان الامريكى على العراق وفشله والدور المتعاون الذى تقدمه الانظمة العربية لاسرائيل والامبريالية الامريكية , او الفساد الداخلى واّفاق النخبة الحاكمة التى لا تتعدى كونها الاستمرار فى الحكم بغض النظر عن اى شىء اّخر , او معاناة الفلسطينيين على حدود رفح , كذلك مقالات رؤساء تحرير الصحف القومية او زيارات الرئيس حسنى مبارك الى فرنسا التى يعلم الجميع انها رحلات علاجية ولكنهم يصورونها لنا على انها دور قيادى لمصر فى المنطقة واتفاقيات تعاون ... الخ , واهم فكرة تدور فى ذهنى حاليا هى فكرة لعبة تصريحات الحكومة , فهى تدرك تماما ان الشعب لا يصدقها ومع ذلك تستمر فى اللعبة لعلمها ان الشعب يتظاهر انه يصدقها , وكلاهما يدرك نواحى اللعبة وكلاهما مستمر فيها .

- اذا نجحت "اللجنة" جماهيريا , هل يغريك ذلك النجاح بخوض التجربة مجددا على المسرح ؟

لا اعتقد , انا لا املك ادوات الكتابة المسرحية ولا استطيع الكتابة بالطلب , ولكن قد يحدث اذا توافرت نفس ظروف "اللجنة" .